صحافي وباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية
العلم الإلكترونية - بقلم حطاب الساعيد
من المعلوم أن الأحكام النهائية تكتسي مناعة قانونية يطلق عليها في الاصطلاح القانوني حجية الأمر المقضي التي تجعل الحكم قاطعا لا يجوز الرجوع فيه من جانب المحكمة التي أصدرته.وتطبيق هذا المبدأ يرمي أساسا إلى حماية الحرية الفردية وضمان الاستقرار الاجتماعي و القانوني حيث يعتبر الحكم البات عنوانا للحقيقة لا يمكن منازعته من جديد و لا مخالفته في حكم جديد.
من المعلوم أن الأحكام النهائية تكتسي مناعة قانونية يطلق عليها في الاصطلاح القانوني حجية الأمر المقضي التي تجعل الحكم قاطعا لا يجوز الرجوع فيه من جانب المحكمة التي أصدرته.وتطبيق هذا المبدأ يرمي أساسا إلى حماية الحرية الفردية وضمان الاستقرار الاجتماعي و القانوني حيث يعتبر الحكم البات عنوانا للحقيقة لا يمكن منازعته من جديد و لا مخالفته في حكم جديد.
الأمر الذي جعل المشرع الدستوري المغربي يعي جيدا أنه من أجل سمو المحكمة الدستورية وجب منح قراراتها مناعة قانونية قوية،وهذه المناعة تجد سندها الدستوري وتستمد قوتها النفاذية من خلال الفصل 134 من الدستور "لا يمكن إصدار الأمر بتنفيذ مقتضى تم التصريح بدستوريته على أساس الفصل 132 من هذا الدستور، ابتداءا من التاريخ الذي حددته المحكمة الدستورية في قراراتها.لا تقبل قرارات المحكمة الدستورية أي طرق من طرق الطعن،وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية".
ومن خلال تحليل الفصل 134 من دستور 2011 يتبين أن عنصر الإلزام في قرارات المحكمة الدستورية،يتجلى إذن في عدة أمور تتلخص في النقاط التالية:
أولا:"وجوب قيام السلطة التشريعية بإلغاء النص القانوني الذي صدر قرار من المحكمة بعدم دستوريته، ووجوب تعديل القوانين النافذة في ضوء ما قضى به القرار الصادر بعدم الدستورية،ووجوب مراعاة السلطة التشريعية لهذا القرار بالنسبة إلى التشريعات التي ستضعها في المستقبل".
وفي سياق الحديث عن قرارات المحكمة الدستورية وصفتها الإلزامية للسلطة التشريعية نجد افتراضين أو احتمالين نوجزهما كالتالي:
الاحتمال الأول:ماذا يحدث لو أبطلت المحكمة الدستورية قانونا استجابة لمراجعة قدمها بعض النواب، ثم عادت الأكثرية في مجلس النواب ذاته، أو في مجلس لاحق إلى إعادة الموافقة على القانون ذاته في تاريخ لاحق؟أيعد هذا القانون المجدد باطلا، أم يجب إعادة الطعن فيه بفعل مراجعة جديدة حتى يمكن اعتباره معدوم الأثر وغير دستوري؟ ففي هذه الحالة فإن إقدام مجلس النواب على ارتكاب عمل كهذا يشكل خرقا لحرمة مبادئ النظام الدستوري الذي تبناه المغرب.ولكن لو تصورنا أن هذا الأمر حدث رغم ذلك، وصدر قانون جديد تضمن ذات العيوب الدستورية أو بعضها و التي شابت القانون الباطل، ففي هذه الحالة لا يوجد من سبيل إلا إعادة الطعن في القانون الجديد خلال المهلة المنصوص عليها في الفقرة الرابعة من الفصل132، وهي شهر أو ثمانية أيام في حالة الاستعجال،ويقوم بالمراجعة إما الملك أو رئيس الحكومة،أو رئيس مجلسي البرلمان،أو أعضاء المجلسين،حيث لابد من مراجعة أو طعن جديد لتقرر المحكمة الدستورية بنفسها مدى تقيد السلطة التشريعية بحدود قرارها وحيثياتها التي يتأسس عليها والتي توضح أوجه المخالفة الدستورية. ولا يمكن لأي جهة أخرى أن تحكم أو تقدر مدى تقيد مجلس النواب أو عدم تقيده بقرار المحكمة بإبطال قانون سابق، إلا إذا أثارت المعارضة أو الحكومة المشكلة أمام مجلس النواب،مطالبة بالنزول على المبادئ الدستورية التي سبق وقررتها المحكمة الدستورية.
الاحتمال الثاني: ماذا يحدث لو صدر قانون جديد يحتوي على مضمون قانون قديم ملغى بقرار من المحكمة الدستورية، ولم يطعن أحد خلال المهلة القانونية في هذا القانون المستجد؟ هل يصح أن تنسحب عليه تلقائيا أثار القرار المبطل؟أو أنه يجد طريقه إلى التطبيق والتنفيذ بدون مقاومة؟ ففي هذه الحالة فإن إبطال المحكمة لنص تشريعي لا يؤدي إلى بطلان هذا النص فقط،بل ينسحب كذلك على كل نص مماثل،أو قاعدة قانونية مشابهة للقاعدة التي قضت بإبطالها،سواء أكانت متزامنة مع قرار المحكمة أو سابق له،وذلك لتعارضها مع أحكام الدستور،لأن هذه القاعدة تكون قد خرجت من الانتظام العام القانوني بصورة نهائية، بحيث لا تستطيع كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية و القضائية،تطبيق نص مخالف للقاعدة أو للمبدأ الذي أقرته المحكمة الدستورية،و ذلك احتراما لمبدأ الشرعية،وخاصة مبدأ تسلسل أو تدرج القواعد القانونية.
وبالرجوع إلى قرارات المجلس الدستوري (المحكمة الدستورية) نجده أصدر بعض القرارات في هذا الشأن نذكر منها على سبيل المثال:
- قرار 212-98 جاء فيه "... إن ما أضافته المادة 213 (من التظلم الداخلي بتاريخ 14 أبريل 1998)، من أن لرؤساء الفرق النيابية الحق في أن يتقدموا، بعد انصرام الأجل المحدد لذلك بتعديلات للنصوص المعروضة للمناقشة وهو ما كانت تنص عليه المادة 226 من النظام الداخلي لمجلس النواب الموافق عليه في 22 نونبر 1994 وسبق للمجلس الدستوري أن صرح بمقتضى قراره رقم 52.95 بعدم مطابقته للدستور بعلة أن حق التعديل مقصور على الحكومة والنواب بصفتهم الشخصية...، الأمر الذي تعتبر معه الإضافة المدخلة على المادة 213 إهدار للحجية التي تكتسبها قرارات المجلس الدستوري".
- قرار المجلس الدستوري 862-12 قرر فيه المجلس الدستوري ما يلي "..إن أحكام القانون التنظيمي رقم 12-02 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا التي سبق التصريح بمطابقتها للدستور... لامجال لإعادة فحص دستوريتها، مراعاة للحجية المطلقة التي تكتسبها قرارات المجلس الدستوري بمقتضى الفقرة الأخيرة من الفصل 134 من الدستور".
ثانيا:"التزام السلطة التنفيذية بعدم تنفيذ النصوص التي حكمت المحكمة بعدم دستوريتها، ووجوب قيام هذه السلطة إذا كان القرار يتعلق بعدم دستورية نص وارد في مرسوم له قوة القانون بإلغاء هذا النص،وتعديل المراسيم الصادرة في ضوء ما قضى به القرار، ومراعاة القرار بالنسبة إلى المراسيم التي ستضعها في المستقبل".
ثالثا: "وجوب امتناع السلطة القضائية عن تطبيق النص الذي قررت المحكمة الدستورية عدم دستوريته في جميع القضايا المعروضة عليها أو التي ستعرض عليها".
وينبغي لنا في نهاية الحديث عن الصفة الإلزامية لقرارات المحكمة الدستورية، أن نشير إلى أن القانون التنظيمي رقم 13-066 خال من أي نص يتعلق بتحديد الإجراءات التي يمكن اتخاذها لإلزام السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية.