العلم الإلكترونية - هشام الدرايدي
تزامناً مع احتفال المغرب بالذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء، تنظم شعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، بالتعاون مع المجالس الجهوية للعدول، ندوة وطنية تحت عنوان "الوثائق العدلية في تاريخ الصحراء المغربية"، انطلقت جلساتها العلمية أمس الخميس 07 نونبر الجاري، وتتواصل اليوم بورشات علمية لفائدة الطلبة الباحثين في المجال، وقد كُشفت أشغال هذه الندوة في محاضراتها حقائق تاريخية في هذه الوثائق العدلية، توثق الارتباط المتين بين المغرب وصحرائه عبر الزمن.
تزامناً مع احتفال المغرب بالذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء، تنظم شعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، بالتعاون مع المجالس الجهوية للعدول، ندوة وطنية تحت عنوان "الوثائق العدلية في تاريخ الصحراء المغربية"، انطلقت جلساتها العلمية أمس الخميس 07 نونبر الجاري، وتتواصل اليوم بورشات علمية لفائدة الطلبة الباحثين في المجال، وقد كُشفت أشغال هذه الندوة في محاضراتها حقائق تاريخية في هذه الوثائق العدلية، توثق الارتباط المتين بين المغرب وصحرائه عبر الزمن.
وشهدت الندوة مشاركة متميزة لثلة من الأساتذة الباحثين وعدد من العدول، الذين استعرضوا خلال مداخلاتهم خصائص آلاف الوثائق العدلية التي تزخر بها خزانة أسرة سبويه الصحراوية، والتي توضح بجلاء الروابط الروحية والاجتماعية والاقتصادية بين أهل الصحراء المغربية وبقية مناطق المملكة عبر العصور، حيث تضمنت هذه الوثائق عقود البيعات السلطانية، والبيع والشراء، ووثائق الزواج، والميراث والوصايا والمنازعات بين الأفراد والجماعة، وثقها عدول مغاربة حكموا فيها، وغيرها من السجلات التي تشهد على انتماء أهل الصحراء إلى الوطن الأم ضمنها عدد من الاتفاقيات الدولية التي تحدد مجال المملكة الشريفة الممتد جغرافيا في الصحراء جنوبا وغربا وشرقا حتى تمبكتو مثل اتفاقية برلين 1885 ومعاهدة الجزيرة الخضراء 1906، يتوفر عبد الوهاب سبويه على أصولها.
وأكد الباحثون أن هذه الوثائق ليست مجرد سجلات قانونية، بل هي دلائل تاريخية تعزز مشروعية المغرب على كامل ترابه الوطني، وتبرز العمق التاريخي للوحدة الترابية للمملكة. وفي الختام، دعا المشاركون إلى مزيد من الجهود في الحفاظ على هذا الإرث الوثائقي وتثمينه، باعتباره ركيزة أساسية للدفاع عن الوحدة الترابية وتعزيز الوعي الوطني.
الوثائق العدلية كمرجع تاريخي وقانوني
سلط الأستاذ عبد العزيز الطاهري، رئيس شعبة التاريخ بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس، الضوء على مكانة الوثائق العدلية وأهميتها للمؤرخين في دراسة التاريخ المغربي، وخصوصا فيما يتعلق بالصحراء.
وقال الطاهري، إن الوثائق العدلية تعتبر من أهم وأبرز المصادر التي يمكن للمؤرخ أن يعتمد عليها في كتابة التاريخ، ليس فقط لإثبات مغربية الصحراء، وهذا أمر مفروغ منه، بل لأنها تقدم أدلة موثوقة تدعم هذا الانتماء التاريخي.
وتابع الطاهري مبينا أن هذه الوثائق تشمل بَيعات القبائل الصحراوية لسلاطين المغرب، والتي كان يُشرف على توثيقها العدول، إضافة إلى مختلف العقود التجارية والأحوال الشخصية، مشيرا إلى أن هذه الوثائق تُستخدم في الدعاوى القانونية وتمثل حججا تاريخية قوية تدعم الموقف المغربي، وتؤكد أن منطقة الصحراء ظلت وستظل جزءا لا يتجزأ من المملكة.
وأكد الأستاذ الباحث، أن المغرب اعتمد على هذه الوثائق في دفاعه عن مغربية الصحراء أمام محكمة العدل الدولية بلاهاي، والتي أصدرت حكمها الشهير يوم 16 أكتوبر 1975 بأن الصحراء مرتبطة تاريخيا بالمغرب من خلال روابط البَيعة بين سكانها وسلاطين المملكة.
وأشار إلى أن أهمية هذه الوثائق تتعدى الأبعاد السياسية لتشمل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الصحراوي، حيث تمثل سجلا يوثق حياة السكان ومعاملاتهم المالية والتجارية والأسرية في كل مناحي حياتهم اليومية. واختتم الطاهري بالتأكيد على أن الوثائق العدلية تعتبر مصدرا ثريا لكتابة تاريخ المغرب بجوانبه المختلفة.
توجيهات ملكية ودور العدول في الدفاع عن القضية الوطنية
من جانبه، أكد سعيد الصروخ، رئيس المكتب الجهوي لعدول استئنافية طنجة، على التزام العدول بدعم قضية الوحدة الترابية، وذلك استجابة للتوجيهات الملكية السامية التي دعا فيها الملك محمد السادس كافة المغاربة إلى التعبئة الشاملة للدفاع عن مغربية الصحراء.
وقال الصروخ: "في إطار التجنّد التام والتعبئة الشاملة التي دعا إليها جلالة الملك محمد السادس، ومن خلال الأدلة القانونية والتاريخية والسياسية، نؤكد أن الصحراء المغربية كانت ولا تزال أقاليم تابعة للمملكة المغربية، يحكمها ملوك الدولة العلوية ضمن نظام البيعة، الذي يجسد أحد مظاهر العلاقة الدستورية بين العرش والشعب المغربي."
وتابع مشيرا إلى أن هذه الندوة تأتي لتوفير الوثائق العدلية للباحثين والطلاب والعموم للاطلاع عليها كحجج تؤكد مغربية الصحراء. وأوضح قائلا: "لهذا الغرض، نظمنا معرضاً يضم مجموعة من الوثائق التي تحتوي على بَيعات الصحراويين ووثائق قانونية تؤكد أن أبناء الصحراء جزء من المملكة المغربية، تحت إشراف الأستاذ عبد الوهاب السليماني صاحب خزانة وثائقية هامة."
وشدّد الصروخ على ضرورة مساهمة مختلف الهيئات المدنية في هذه الجهود تماشيا مع خطابي العرش والمسيرة الخضراء، الذي دعا فيهما الملك إلى تنسيق الجهود وتوحيدها لخدمة قضية الصحراء المغربية.
الوثيقة العدلية كحجة قانونية في النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية
وبدوره، أوضح محمد أبيهي، أستاذ التاريخ بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس، أن الهدف من هذه الندوة هو إبراز الدور المحوري للوثائق العدلية في تأريخ الصحراء المغربية، مؤكدا على أن الوثائق العدلية لا تقتصر على كونها سجلا قانونيا، بل تُعتبر أيضا دليلا تاريخيا قويا يعكس ارتباط الصحراء بالدولة المركزية في المغرب.
وقال إن الوثيقة العدلية تعدّ بمثابة الحجة التاريخية التي تمهّد للحجة القانونية، إذ أنها تفند الادعاءات التي تدعي أن الصحراء كانت أرضا خالية، فعند دراسة هذه الوثائق، نجد أنها تشهد بوجود الدولة المغربية في هذه الأقاليم من خلال مؤسسة التوثيق العدلي، ما يؤكد الروابط الروحية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بين المغرب وأقاليمه الجنوبية.
وأضاف أبيهي أن هذه الوثائق تسهم في إبراز غنى التراث الاجتماعي والاقتصادي الذي يربط بين سكان الصحراء والدولة المغربية، ما يعزز الطابع الوطني لهذه الأقاليم ويسهم في دحض الأساطير حول النزاع المفتعل.
تنوع الوثائق العدلية وإسهاماتها في كتابة التاريخ المغربي
وفي هذا الإطار، تطرق رشيد شحمي، أستاذ التاريخ الاجتماعي بأكاديمية مراكش آسفي للتكوين، إلى أنواع الوثائق العدلية المختلفة التي توثق المعاملات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع الصحراوي.
وأوضح شحمي الاحتفاء بذكرى المسيرة الخضراء، وتنظيم هذه الندوة الوطنية القيمة، جاء لإبراز أهمية الوثائق العدلية، التي تشتمل على رسوم الزواج والطلاق والصداق والمعاملات المالية والتجارية، مما يساعد في إعادة بناء تاريخ المنطقة وتوثيق روابطها مع الدولة المغربية.
وتحدث شحمي عن اختلاف أسماء وأنواع الوثائق بحسب كل منطقة في المغربحيث تعرف بـ "الرّْسُوم" و"التِلُواح" في سوس، أو"العقود الراشية" في سكورة، أو "تجريات" في تزنيت، أو"التيوتقين"، مشيرا إلى أن هذه الوثائق التي كتبها عدول، غالبا ما كانت تُحرر في المساجد والزوايا من طرف فقهاء عدل أو "الطلبة"، مما يعكس الطابع الديني والشرعي للتوثيق العدلي.
ودعا شحمي إلى ضرورة الحفاظ على هذه الوثائق في مراكز محلية وجهوية لتكون متاحة للباحثين وطلاب التاريخ، مؤكدا على ضرورة العمل الأكاديمي والبحثي لاستخراج المعلومات التاريخية منها، وإغناء التاريخ المحلب والوطني بتفاصيل قد تعيد تركيب كتابة تاريخية رصينة للمملكة.
التزام وطني شامل لحماية الذاكرة الوطنية
بدوره، اعتبر إدريس الطرالي، رئيس المكتب الجهوي لعدول استئنافية بني ملال، أن إقامة معرض للوثائق العدلية النفيسة وندوة وطنية يفصل فيها باحثون وأكاديميون خصائص هذه الدرر المصدرية، يمثل استجابة لنداء الملك محمد السادس بالدخول في "ورش الدفاع عن الوحدة الترابية".
وقال الطرالي، إنه يوم تاريخي يبرز أهمية انخراط الهيئات والمؤسسات المغربية في إعداد الوثائق والدلائل التاريخية والقانونية للدفاع عن الوحدة الترابية، خاصةً في ظل التحديات الخارجية والمؤامرات التي تحاك ضدها.
وأضاف الطرالي أن الوثائق العدلية تبرز الروابط الروحية بين القبائل الصحراوية والعرش العلوي، وذلك من خلال عقود البيعة التي أرسلها الصحراويون للملوك المغاربة.
وأوضح أن الوثائق المعروضة تكشف أيضا والله بجلاء العلاقات الاجتماعية في المجتمع الصحراوي، مثل وثائق الزواج والأسرة، وكذلك المعاملات التجارية في الأسواق، مما يعكس الارتباط الوثيق بين الدولة المغربية وسكان هذه الأقاليم.
ودعا الطرالي في الختام، جميع الهيئات والمواطنين إلى الانخراط الفعّال في هذا الورش الوطني وإعداد الأدلة والوثائق اللازمة للدفاع عن القضية الوطنية، قائلاً: "يجب علينا الانتقال من مرحلة رد الفعل إلى مرحلة المبادرة، لأن الدفاع عن الوحدة الترابية هو واجب وطني يتطلب من الجميع الالتزام التام والاستعداد الدائم."