العلم الإلكترونية - محمد بشكار
كل شيء يَفْتُر مع تِكْرار الأيّام، كان الشَّغفُ بالقُوَّة التي تهُدُّ الجبال، كان الحبُّ يجعلني أفكر في الذهاب لطبيب القلب، للكشف هل أملك قلباً واحداً أو اثنين بقوة دفْعِ مائة حصان، اليوم لم نعُد نُحبُّ حتى أنفسنا فبالأحرى ننفق المشاعر جزافاً على غيرنا، وأجد العُذْر لِمَنْ يَعْبُر ساهماً دون أن يُلْقي السَّلام، أنا أيضاً يحدث أنْ أنظر للمرآة فلا أرى نفسي رغم أنَّ عينيَّ مفتوحتان، ألف مطْرقة في الرأس والسِّنْدان من عند الحَدّاد، أجد العُذْر لِمنْ يضع يده في جيبي وهو يحرمني من حقي في الزيادة في الأجر، هو فقط يشدُّ العصا من الوسط ليُحقِّق التوازن بين الغنى والفقر، هو فقط طبقٌ مُنْكفئٌ على طبق، يُريد أن يبقى فوق الجميع ولا يصله أحدٌ من تحت لِئَلا يختل ناموس الكون، ولكنَّني لا أجِد العُذْر لِمنْ يلقي بنفسه إلى البحر مُهاجراً أو منتحراً، أخْشى أن آكل لحمه مع السمك الذي أشتريه باهظاً، لا أحِبُّ أن أتورَّط مع الحكومة بمعدتي في الجريمة، انظروا للمشاعر كيف تطورت، من إنسانية تشعر بآلام الآخرين، إلى براغماتية تفكر في مُكوِّنات الأكلة وليس في الضحية المأكول !
لا أُشيِّد من لَبِنات اليأْس جداراً يحْجُب المستقبل، ولستُ عدميّاً على طريقة ألبير كامي في روايته "الغريب"، رغم أنَّ شخصية "مورسو" في هذه الرواية تسْتحِقُّ الشُّكْر بلغتها الفرنسية قائلين "ميرسي"، فهي أبْلغُ تجسيدٍ للحياة كما يجب أن تُعاش اليوم في الأسفل أو الهامش دون قيمة، لا جدوى أنْ نُدافع عن براءتنا أمام القاضي إذا كان الحكم جاهزاً، لا جدوى أن نفتح نافذة على أفق بِيع لِمنْ هم دون أفق، وأشَدُّ ما يبعث على التَّقزُّز مِمَّنْ هم محيطون بنا، ذلك الأمل المصلوب على لغة الخشب رغم أنه ضَارٌّ بصحة العقول، ليس ثمة أفظع من رؤية علامة الرضى بالوضع المُكرَّسِ خيرِه وشرِّه يرْتسم بليدا على جميع الوجوه، أفضِّل أن أكون مُزعجاً دون أن ألعب دور ذبابة تنتظر أن ينطفئ الضوء لِتكفَّ عن الطنين، عجبي حتَّى الذُّبابة تؤمن بسياسة التعتيم، أريد أن أسْترِدَّ نفس جلْجلة صُراخي التي خرجتُ بغضبها من رحم أمي، أنْ أقْطع الحبْل السُّرِّي بأسناني التي لمْ تنْبُتْ بَعْد، وأُطْعِمُه لأقْرب كلبٍ يتحلَّى بالوفاء الكافي الذي لا يَخُون الملح والطعام، على الأقل أطمئنُّ على بعض أوصالي التي ورثتُها عن الإنسان، وهي تستعيد حياةً أخرى أفضل حين تستقرُّ في بطن حيوان!
كل شيء يَفْتُر مع تكْرار الأيّام، وإلا مَن يَمْلك اليوم القُدْرة على القعود لساعات مُحْدودباً إلى مائدة عرجاء بثلاثة أرجل، فقط كي يكتب قصيدة يبعثها لإحدى المجلات أو الجرائد بطابع بريد لا يملك ثمنه مُستعْمَل، والأدهى أن تتواطأ القصيدة مع الجرم الصغير وتصل بل وتُنشَر في المغرب أو المشرق، من يملك اليوم النَّفَس ليُطارد فتاة أحلامه ليس في الدروب، إنما عبْر أسطر طويلة وهو يكتب بكلمات مشْبُوبة رسالة حب، للأسف ضيَّعْنا الشِّعْر والحُب حين أصبح كل شيء يُقدَّرُ بثمن، ضيَّعْنا في المُثقف المَعْدن الخام غير المُصَنَّع أو المُصْطَنع، كان ينبوعا للأفكار وأصبح اليوم يُجفف منابع المال، كان ينخرط بقوة الرأي والكلمة في الهمِّ الجمعي للخروج من المأزق، وأصبح اليوم مُجرَّد تابعٍ مُطبِّعٍ مُرْتَزِق، كان المثقف مستقلا عصي الاحتواء من طرف الأجهزة الرسمية التي تبحث عمَّنْ يُزكِّي أطروحاتها المُضلِّلة، وكانت السُّلْطة تَخْطُب وُدَّه بكل أساليب الإغراء المُلْتوية، اليوم تجاوزت الخِطْبة لا أعرف بالمقالب أو قوالب السكر إلى الزواج العرفي، وليت السُّلطة طلقته ثلاثاً فقط، ولكنها أنجبت منه حراس مخافر مَبْثوثين في مؤسسات ثقافية، ومنهم للأسف الروائي والمفكر والفنان ورجل الدين والشاعر !
كُنّا نكتب حُباً في الكتابة، نفرح لأسلوب لم يَجْترِحْه على الورق قلمٌ أو يحْتَرثْه في الحقل بغْلٌ، ونغْتبط لصورة لا تستطيع أنْ تلتقط مثلها كاميرا في الطبيعة، وكان الشاعر أو الكاتب منّا يهرع لأحد الأصدقاء بفزع من تلقَّى الوحْي، يُلْقي على أذنيه ما كتب مُكتفياً من الجمهور العريض بشخص واحد، كُنّا على نِيَّاتنا كما على وسائدنا نحلم.. ولم نكُن نعلم أنَّه خارج السِّجْن لا وجود لغدٍ أجْمل !
كل شيء يَفْتُر مع تِكْرار الأيّام، كان الشَّغفُ بالقُوَّة التي تهُدُّ الجبال، كان الحبُّ يجعلني أفكر في الذهاب لطبيب القلب، للكشف هل أملك قلباً واحداً أو اثنين بقوة دفْعِ مائة حصان، اليوم لم نعُد نُحبُّ حتى أنفسنا فبالأحرى ننفق المشاعر جزافاً على غيرنا، وأجد العُذْر لِمَنْ يَعْبُر ساهماً دون أن يُلْقي السَّلام، أنا أيضاً يحدث أنْ أنظر للمرآة فلا أرى نفسي رغم أنَّ عينيَّ مفتوحتان، ألف مطْرقة في الرأس والسِّنْدان من عند الحَدّاد، أجد العُذْر لِمنْ يضع يده في جيبي وهو يحرمني من حقي في الزيادة في الأجر، هو فقط يشدُّ العصا من الوسط ليُحقِّق التوازن بين الغنى والفقر، هو فقط طبقٌ مُنْكفئٌ على طبق، يُريد أن يبقى فوق الجميع ولا يصله أحدٌ من تحت لِئَلا يختل ناموس الكون، ولكنَّني لا أجِد العُذْر لِمنْ يلقي بنفسه إلى البحر مُهاجراً أو منتحراً، أخْشى أن آكل لحمه مع السمك الذي أشتريه باهظاً، لا أحِبُّ أن أتورَّط مع الحكومة بمعدتي في الجريمة، انظروا للمشاعر كيف تطورت، من إنسانية تشعر بآلام الآخرين، إلى براغماتية تفكر في مُكوِّنات الأكلة وليس في الضحية المأكول !
لا أُشيِّد من لَبِنات اليأْس جداراً يحْجُب المستقبل، ولستُ عدميّاً على طريقة ألبير كامي في روايته "الغريب"، رغم أنَّ شخصية "مورسو" في هذه الرواية تسْتحِقُّ الشُّكْر بلغتها الفرنسية قائلين "ميرسي"، فهي أبْلغُ تجسيدٍ للحياة كما يجب أن تُعاش اليوم في الأسفل أو الهامش دون قيمة، لا جدوى أنْ نُدافع عن براءتنا أمام القاضي إذا كان الحكم جاهزاً، لا جدوى أن نفتح نافذة على أفق بِيع لِمنْ هم دون أفق، وأشَدُّ ما يبعث على التَّقزُّز مِمَّنْ هم محيطون بنا، ذلك الأمل المصلوب على لغة الخشب رغم أنه ضَارٌّ بصحة العقول، ليس ثمة أفظع من رؤية علامة الرضى بالوضع المُكرَّسِ خيرِه وشرِّه يرْتسم بليدا على جميع الوجوه، أفضِّل أن أكون مُزعجاً دون أن ألعب دور ذبابة تنتظر أن ينطفئ الضوء لِتكفَّ عن الطنين، عجبي حتَّى الذُّبابة تؤمن بسياسة التعتيم، أريد أن أسْترِدَّ نفس جلْجلة صُراخي التي خرجتُ بغضبها من رحم أمي، أنْ أقْطع الحبْل السُّرِّي بأسناني التي لمْ تنْبُتْ بَعْد، وأُطْعِمُه لأقْرب كلبٍ يتحلَّى بالوفاء الكافي الذي لا يَخُون الملح والطعام، على الأقل أطمئنُّ على بعض أوصالي التي ورثتُها عن الإنسان، وهي تستعيد حياةً أخرى أفضل حين تستقرُّ في بطن حيوان!
كل شيء يَفْتُر مع تكْرار الأيّام، وإلا مَن يَمْلك اليوم القُدْرة على القعود لساعات مُحْدودباً إلى مائدة عرجاء بثلاثة أرجل، فقط كي يكتب قصيدة يبعثها لإحدى المجلات أو الجرائد بطابع بريد لا يملك ثمنه مُستعْمَل، والأدهى أن تتواطأ القصيدة مع الجرم الصغير وتصل بل وتُنشَر في المغرب أو المشرق، من يملك اليوم النَّفَس ليُطارد فتاة أحلامه ليس في الدروب، إنما عبْر أسطر طويلة وهو يكتب بكلمات مشْبُوبة رسالة حب، للأسف ضيَّعْنا الشِّعْر والحُب حين أصبح كل شيء يُقدَّرُ بثمن، ضيَّعْنا في المُثقف المَعْدن الخام غير المُصَنَّع أو المُصْطَنع، كان ينبوعا للأفكار وأصبح اليوم يُجفف منابع المال، كان ينخرط بقوة الرأي والكلمة في الهمِّ الجمعي للخروج من المأزق، وأصبح اليوم مُجرَّد تابعٍ مُطبِّعٍ مُرْتَزِق، كان المثقف مستقلا عصي الاحتواء من طرف الأجهزة الرسمية التي تبحث عمَّنْ يُزكِّي أطروحاتها المُضلِّلة، وكانت السُّلْطة تَخْطُب وُدَّه بكل أساليب الإغراء المُلْتوية، اليوم تجاوزت الخِطْبة لا أعرف بالمقالب أو قوالب السكر إلى الزواج العرفي، وليت السُّلطة طلقته ثلاثاً فقط، ولكنها أنجبت منه حراس مخافر مَبْثوثين في مؤسسات ثقافية، ومنهم للأسف الروائي والمفكر والفنان ورجل الدين والشاعر !
كُنّا نكتب حُباً في الكتابة، نفرح لأسلوب لم يَجْترِحْه على الورق قلمٌ أو يحْتَرثْه في الحقل بغْلٌ، ونغْتبط لصورة لا تستطيع أنْ تلتقط مثلها كاميرا في الطبيعة، وكان الشاعر أو الكاتب منّا يهرع لأحد الأصدقاء بفزع من تلقَّى الوحْي، يُلْقي على أذنيه ما كتب مُكتفياً من الجمهور العريض بشخص واحد، كُنّا على نِيَّاتنا كما على وسائدنا نحلم.. ولم نكُن نعلم أنَّه خارج السِّجْن لا وجود لغدٍ أجْمل !