العلم - محمد بشكار
لا تُؤاخذوني إذا لَمْ أُشاطر جَوْق العُمْيان الطَّرب، إذا نَشَزْتُ في الكتابة عن النَّغْمة ذاتِ الرّنين الذي يُفرِّجُ الغُمّة، تلك التي لا يَحْتدُّ وطيسُها إلا كُلّما شارف الحفل على الإنتهاء، فيا لمفعول الوليمة في الأنفُس قبل البطون، ألم تر كيف تكون سبباً في التّصْعيد حتى على مستوى الطّبْلة والمزمار، ألَمْ تَرَ كيف بعد الشَّبع، تعْمى البصائر قبل الأبصار وينفَضُّ الجمْع، فلا تؤاخذوني إذا لَمْ أشاطر جوق العميان حرارة النّغْمة، إيذاناً بنزول الأطْباق الشهيّة من أكتاف طاقم مُموِّل الحفلات، مروراً بمسالك مَعويّة ابتلعتِ البشر قبل البقر حَدَّ التُّخْمة !
أعْلَم أنَّ الخِطاب بصِيغة المُتكلِّم قد يجُرُّ على كاتبه النّدم، لذا وجب التَّنْبيه قبل أن ينْسَاق القارئ الكريم وراء هذه الأسْطُر، إلى ما لا يُحْمد معْناه، أنِّي لا أعْني بهذا المقال نفسي التي أعْتبرها جُزءاً من الكُل، إنّما يَشْمل هذا التّشريح جميع الفاعلين في واقعنا الثقافي غير المُريح، فليْس ثمّة أبْغَض لنفْسي مِنْ أن أزاحم فَرَاش اللَّيل وَهَوامّه على الأضواء، أو أُزاحم مواد التَّنْظيف على وصلة إشْهارية تُلمِّعُني في التلفزيون، فلا تؤاخذوني إذا تسلَّلتُ تحْت عتْمة الحبر، أتربَّصُ بالعصابة التي أفْسَدتِ مصْداقية الثقافة والأدب في البلد، لا لشيء إلا لتحْتكِر كل المواقع في دواليب مؤسسات الدولة إلى الأبد، وتقف سَدّاً منيعاً يَحُول دون بروز المواهب، وها بعض هؤلاء العناكب ما زالوا منذ سبعينيات القرن الماضي، يقفزون بأكثر من خيط لاعقين أيادي أوْلياء النِّعَم، في لِجنٍ تُجْزي لهم العطاء ليُضيِّعوا بتحكيم مُتواطِئ، جيلا كاملا من نوابغ المثقفين، فمنهم من استمرّ قابضاً على جمر الكتابة رغم المِحن، ومنهم من اخْتار الصّمت احتجاجاً صارخا يتردَّدُ صداه في ردهات التاريخ، أمّا لسان حال العِصابة المكْشوفة كقائمة الأثمان فوق السِّلَع، فيقول ساخراً بجشع: ها واحدٌ من المنْكوبين قد نقص، ليلتحق بكل الأقلام الذين دفنّاهم أحياءً دون أكفان !
لا تُؤاخِذوني إذا بدوتُ فاضحاً كما تقرأونني اليوم، ولكن يعِزُّ عليَّ أن أرى أكثر من امرئ قيْس في زمني، يُعيد نفس العبارة وهو يقْتُل الأب مرّة ثانية حين أتاه النَّعي بما جعل شرابهُ دماءً، وها هو يصيح في ذات السيّاق المحفوف بالإحتراق؛ أوَ لمْ تروا إلى العصابة ويَقْصدُ أباه المُحْبِط للإبداع والكتابة، كيف ضيّعَتْني صغيراً منذ نُعومة أظافر كلماتي، وحالت دون أنْ أكْبر بالحجم الطّبيعي الذي يصنع لبلدي أديبا كبيرا، حرمتني من أهم الجوائز الأدبية، فكانت وما زالت على عادتها السيّئة، تُدوِّرها حكْرا بين أعضائها المُعْتاشين، ولا بأس أن تتكرّر عمليّة (التويزة) ما دام في حرثها خيرٌ عميم ويأس كارثي لآخرين، حرمتْني العِصابة وهي تنصب الفخاخ في كل الحدود من حيث تفِدُ الدعوات، من تمثيل بلدي في أكبر المهرجانات بالوجه الأصيل المُشرِّف، وليس بالقناع المُشوَّهِ المُكرّرِ والمُقْرِف، ألا يا امرؤ القيس خُذِ الآن حصّتك الكافية من السُّكْر العلني وزِدْ، ولا تثأر لا اليوم ولا غدا لِحبْرٍ تفصَّد كالدم الفاسد !
لا تؤاخذوني ولكن مع هؤلاء... الذين لا يستحِقون كل أحرف النداء وأسماء الإشارة، لم تعُد للكتابة رائحة أو مذاق، معهم أصبحنا ندفع بحزمة الكلمات إلى حفرة في خاطرنا، كما لو نُهيِّء الحطب في موقد للاحتراق، مع هؤلاء لا وقت للتعبير عن مواقف إنسانية في الموت الهمجيِّ أو الإملاق، لا بيانات تضامن في زمن التّغابُن،لا وقت حتّى للوقت ما دامت كل عقارب السّاعة مسمومة، هم مع الجميع ضد الجميع لصالح أنفسهم لعلَّك ترْضى، هم خارج الظّرفية العصِيبة التي يمر من رُزْنامتها الدّموية التاريخ، أو تعبر من فجاجها الجغرافيا، ويا لها من ظرفية أصبحت تُمْلي صنْفاً من الكتابة غير التي تُمْليها الأهواء، مع هؤلاء الذين باعوا كلّ القيَم جرياً وراء الدِّرْهم، أصبح الكاتب أحْوج كي يكْتسِب مناعةً تقاوم الإغْراء، إلى قُوة خفيّة تمسك بالقلم كما يُمْسك أحدهم بعكاز أعمى، فإما أنْ تُغيِّر اتجاه الوعْي والكلمة استِجابةً للشَّرْط التاريخي، أو تسْتدرجكَ الظُّلْمة، إلى خرائطَ جديدة تتشكَّل بقوة النار والحديد وتُفْضي إلى الفُقْدان، ألَمْ أسألكم أن لا تؤاخذوني في كل شيء، لا تؤاخذوني أيُّها الرفاق، أيها الإخوة وأنتم كذلك أيُّها العُشّاق، لا تُؤاخذوني فِي ما قُلْتُهُ وَما لمْ أقُلْهُ سيأتي موْعدهُ بالصّوْت والصُّورة والأسْماء، فليْس هذا وقْت النِّفاق !
لا تُؤاخذوني إذا لَمْ أُشاطر جَوْق العُمْيان الطَّرب، إذا نَشَزْتُ في الكتابة عن النَّغْمة ذاتِ الرّنين الذي يُفرِّجُ الغُمّة، تلك التي لا يَحْتدُّ وطيسُها إلا كُلّما شارف الحفل على الإنتهاء، فيا لمفعول الوليمة في الأنفُس قبل البطون، ألم تر كيف تكون سبباً في التّصْعيد حتى على مستوى الطّبْلة والمزمار، ألَمْ تَرَ كيف بعد الشَّبع، تعْمى البصائر قبل الأبصار وينفَضُّ الجمْع، فلا تؤاخذوني إذا لَمْ أشاطر جوق العميان حرارة النّغْمة، إيذاناً بنزول الأطْباق الشهيّة من أكتاف طاقم مُموِّل الحفلات، مروراً بمسالك مَعويّة ابتلعتِ البشر قبل البقر حَدَّ التُّخْمة !
أعْلَم أنَّ الخِطاب بصِيغة المُتكلِّم قد يجُرُّ على كاتبه النّدم، لذا وجب التَّنْبيه قبل أن ينْسَاق القارئ الكريم وراء هذه الأسْطُر، إلى ما لا يُحْمد معْناه، أنِّي لا أعْني بهذا المقال نفسي التي أعْتبرها جُزءاً من الكُل، إنّما يَشْمل هذا التّشريح جميع الفاعلين في واقعنا الثقافي غير المُريح، فليْس ثمّة أبْغَض لنفْسي مِنْ أن أزاحم فَرَاش اللَّيل وَهَوامّه على الأضواء، أو أُزاحم مواد التَّنْظيف على وصلة إشْهارية تُلمِّعُني في التلفزيون، فلا تؤاخذوني إذا تسلَّلتُ تحْت عتْمة الحبر، أتربَّصُ بالعصابة التي أفْسَدتِ مصْداقية الثقافة والأدب في البلد، لا لشيء إلا لتحْتكِر كل المواقع في دواليب مؤسسات الدولة إلى الأبد، وتقف سَدّاً منيعاً يَحُول دون بروز المواهب، وها بعض هؤلاء العناكب ما زالوا منذ سبعينيات القرن الماضي، يقفزون بأكثر من خيط لاعقين أيادي أوْلياء النِّعَم، في لِجنٍ تُجْزي لهم العطاء ليُضيِّعوا بتحكيم مُتواطِئ، جيلا كاملا من نوابغ المثقفين، فمنهم من استمرّ قابضاً على جمر الكتابة رغم المِحن، ومنهم من اخْتار الصّمت احتجاجاً صارخا يتردَّدُ صداه في ردهات التاريخ، أمّا لسان حال العِصابة المكْشوفة كقائمة الأثمان فوق السِّلَع، فيقول ساخراً بجشع: ها واحدٌ من المنْكوبين قد نقص، ليلتحق بكل الأقلام الذين دفنّاهم أحياءً دون أكفان !
لا تُؤاخِذوني إذا بدوتُ فاضحاً كما تقرأونني اليوم، ولكن يعِزُّ عليَّ أن أرى أكثر من امرئ قيْس في زمني، يُعيد نفس العبارة وهو يقْتُل الأب مرّة ثانية حين أتاه النَّعي بما جعل شرابهُ دماءً، وها هو يصيح في ذات السيّاق المحفوف بالإحتراق؛ أوَ لمْ تروا إلى العصابة ويَقْصدُ أباه المُحْبِط للإبداع والكتابة، كيف ضيّعَتْني صغيراً منذ نُعومة أظافر كلماتي، وحالت دون أنْ أكْبر بالحجم الطّبيعي الذي يصنع لبلدي أديبا كبيرا، حرمتني من أهم الجوائز الأدبية، فكانت وما زالت على عادتها السيّئة، تُدوِّرها حكْرا بين أعضائها المُعْتاشين، ولا بأس أن تتكرّر عمليّة (التويزة) ما دام في حرثها خيرٌ عميم ويأس كارثي لآخرين، حرمتْني العِصابة وهي تنصب الفخاخ في كل الحدود من حيث تفِدُ الدعوات، من تمثيل بلدي في أكبر المهرجانات بالوجه الأصيل المُشرِّف، وليس بالقناع المُشوَّهِ المُكرّرِ والمُقْرِف، ألا يا امرؤ القيس خُذِ الآن حصّتك الكافية من السُّكْر العلني وزِدْ، ولا تثأر لا اليوم ولا غدا لِحبْرٍ تفصَّد كالدم الفاسد !
لا تؤاخذوني ولكن مع هؤلاء... الذين لا يستحِقون كل أحرف النداء وأسماء الإشارة، لم تعُد للكتابة رائحة أو مذاق، معهم أصبحنا ندفع بحزمة الكلمات إلى حفرة في خاطرنا، كما لو نُهيِّء الحطب في موقد للاحتراق، مع هؤلاء لا وقت للتعبير عن مواقف إنسانية في الموت الهمجيِّ أو الإملاق، لا بيانات تضامن في زمن التّغابُن،لا وقت حتّى للوقت ما دامت كل عقارب السّاعة مسمومة، هم مع الجميع ضد الجميع لصالح أنفسهم لعلَّك ترْضى، هم خارج الظّرفية العصِيبة التي يمر من رُزْنامتها الدّموية التاريخ، أو تعبر من فجاجها الجغرافيا، ويا لها من ظرفية أصبحت تُمْلي صنْفاً من الكتابة غير التي تُمْليها الأهواء، مع هؤلاء الذين باعوا كلّ القيَم جرياً وراء الدِّرْهم، أصبح الكاتب أحْوج كي يكْتسِب مناعةً تقاوم الإغْراء، إلى قُوة خفيّة تمسك بالقلم كما يُمْسك أحدهم بعكاز أعمى، فإما أنْ تُغيِّر اتجاه الوعْي والكلمة استِجابةً للشَّرْط التاريخي، أو تسْتدرجكَ الظُّلْمة، إلى خرائطَ جديدة تتشكَّل بقوة النار والحديد وتُفْضي إلى الفُقْدان، ألَمْ أسألكم أن لا تؤاخذوني في كل شيء، لا تؤاخذوني أيُّها الرفاق، أيها الإخوة وأنتم كذلك أيُّها العُشّاق، لا تُؤاخذوني فِي ما قُلْتُهُ وَما لمْ أقُلْهُ سيأتي موْعدهُ بالصّوْت والصُّورة والأسْماء، فليْس هذا وقْت النِّفاق !