Quantcast
2021 فبراير 18 - تم تعديله في [التاريخ]

شكرا كورونا...


العلم الإلكترونية - بقلم بدر بن علاش

لاشك أن الكثيرين سيتساءلون، كيف لي أن أشكر داء فتاكا ذهب بحياة الآلاف من الأفراد، وحكم على فئات واسعة بالبطالة القسرية، وأدخل تجارا و مقاولين في الإفلاس التام، ووقف سدا منيعا وعصيا أمام الكثير من الأحلام و التطلعات، وجعلنا في حالة نفسية مضطربة منذ شهور عديدة بعدما غير مجرى حياتنا وقلبها رأسا على عقب، ولم يعد لنا من بعض العادات و التقاليد و التجمعات العائلية سوى الذكريات.
 
أسئلة بديهية على كل حال، لكن أليس من الصواب أيضا أن نشكر داء كشف على الكثير من عيوبنا؟! والتي كنا نتجنب الحديث عنها، بل ونتجاهُلها عن قصد أو بلا قصد، وأظهر مدى افتقادنا للمناعة التي كان بإمكانها الحد من الآثار السلبية لهذه الجائحة،وخاصة في القطاعات ذات الطابع الاجتماعي. وباء أظهر بالمقابل أيضا العديد من الفرص التي لم نكن نضعها في الحسبان، و لا نوليها الاهتمام المطلوب، وكشف عقولا ثمينة تعيش بيننا سرعان ما أبانت عن علو كعبها في مجالات البحث العلمي والابتكار؟
 
نعم، سأقول شكرا كورونا، لأنها أظهرت عيوب حكومة فاشلة، لم تزد المواطن المغربي سوى هما فوق همومه،وتخلت عن وظيفتها عند أول امتحان، وأدخلتنا في دوامة لا تنتهي، وتعاملت معنا في حالات عديدة كقاصرين لا يستحقون المعلومة الكاملة، تاركة المجال للإشاعات والأقاويل تنتشر بيننا انتشار النار في الهشيم.
 
 حكومة رفعت الراية البيضاء أمام مد الأزمات التي واجهت الكثير من القطاعات، وعوض أن تبصم على قرارات استباقية، لم تفلح سوى في إقرار بعضها في ساعات متأخرة من الليل، بل إن كل ما تغنت به من نجاحات بخصوص استراتيجيات وسياسات قطاعية معينة، سرعان ما تبددت خلال عاصفة كورونا. فالجميع وقف مثلا على هشاشة قطاع الصحة، لا على مستوى قلة الموارد البشرية أو ضعف البنيات والتجهيزات الاستشفائية فقط، وكذلك ضعف المقاولة المغربية، وبدرجة أولى المتوسطة والصغيرة والصغيرة جدا، فأغلقت الكثير منها الأبواب، وسرحت الآلاف من العمال.
 
الهشاشة ذاتها برزت أيضا في قطاع التعليم، فكل ما قيل عن "التعليم عن بعد" بقي حبيس "الشفوي"، وبعيدا عن التنزيل الكامل على أرض الواقع، بعدما واجهت هذا النهج البديل(التعليم عن بعد)، عقبات كثيرة وقفت أمام بلوغ كامل الأهداف، فلا الأطر التربوية استطاعت بكاملها أن تواكبه في غياب التكوين المستمر على التكنولوجيات الحديثة في التلقين، زيادة على عدم مدها بالأجهزة الإلكترونية،ولا المتمدرسين تأتى لهم ذلك في ظل استمرار غياب العدالة المجالية، التي تمكنهم من صبيب الأنترنيت المطلوب في كل مناطق البلاد، بل حتى جيوب أبائهم الفارغة لم تسمح لهم باقتناء ألواح أو أجهزة إلكترونية ذات الغرض.
 
وفيما يخص القطاع غير المهيكل، فحدث ولا حرج، فقد نالت منه الأزمة كثيرا، بعدما حكمت على الكثير من العاملين فيه بالبطالة القاسية، وفقدان مصدر الدخل البسيط، ولم تجد لهم الحكومة من حلول، سوى الاختباء خلف ستار كورونا وتنكرها لأوضاعهم، بل مازالت تحبس أنفاسهم بقرارات غير مفهومة،كحال استمرار فرض الإغلاق الكلي الذي يطال الحمامات الشعبية وقاعات الأفراح مثلا، أو الإغلاق الجزئي الذي يشمل المقاهي والمطاعم، وكلها قطاعات تشغل الآلاف من العاملين البسطاء، بالإضافة إلى مواصلة فرض تقليص عدد المسموح لهم امتطاء سيارات الأجرة، الأمر الذي أثر بشكل جلي على دخل أصحابها، في حين نرى بأم أعيننا حافلات النقل الحضري، وقاطرات "الترامواي" تكتظ بالركاب، في غياب تام للتباعد الاجتماعي، الذي يطبق على البعض ويتم التغاضي عنه لدى آخرين.
 
 سأقول شكرا لكورونا، لأنها أكدت مقولة شعبية مغربية فحواها " ما يحك ليك غير ظفرك و ما يبكي ليك غير شفرك"، فقد بينت أهمية الاعتماد على القدرات المحلية، والتصنيع الوطني، والأيدي والعقول المغربية، بدل الاعتماد على الخارج بشكل تام، والذي يعطينا ما يشاء وقت ما يشاء و بالقدر الذي يشاء، بل وأحيانا حتى هذا العطاء يكون مقرونا بغطاء التبعية السياسية لا الاقتصادية فقط. 
 
سأقول شكرا لكورونا، لأنها أبانت مرة أخرى أن للمغرب كفاءات علمية سطع نجمها داخل الوطن و خارجه، عندما بادرت إلى ابتكارات واختراعات ساهمت في التخفيف من صدمة كورونا وآثارها، وبالتالي فالدرس الذي يجب استخلاصه هو ضرورة الاهتمام بالعقول و الكفاءات المغربية في بلدها الأم، ودعمها بكل الوسائل و الطرق لتفادي هجرتها إلى الضفة الأخرى بحثا عن فضاء أفضل يحتويها ويزيد من مداركها العلمية، وكذلك إيلاء البحث العلمي المكانة التي يستحقها، حتى تصبح نسبة 0.8 في المائة التي ينفقها المغرب من ميزانيته على هذا البحث العلمي حاليا مجرد ذكرى.
 
سأقول شكرا لكورونا، لأنها أبانت أيضا عن حجم التآلف و التآزر الذي أظهره المغاربة في الكثير من فصول موسم كورونا وأحلك لحظاتها، فكل ما قيل عن افتقاد مجتمعنا لبعض الخصال الحميدة في هذا السياق، تبين بالدليل القاطع عدم صحته، ومن ذلك المساعدات الكثيرة التي وزعت لوجه الله وليس طمعا في صوت انتخابي، وكذلك الكرم الحاتمي الذي أبان عنه المغاربة من خلال تبرعاتهم السخية التي همت صندوق تدبير ومواجهة وباء فيروس كورونا.  
 
سنقول شكرا لكورونا، لأنها أكدت لنا مرة أخرى أن لنا ملكا يتناغم ويتجاوب مع انتظارات شعبه، ويستبق أي إشكالية بحلول مبتكرة وحكيمة، فالديبلوماسية الملكية كانت عاملا حاسما في جعل المغرب في مقدمة البلدان المستفيدة من كمية هامة من لقاح كورونا، وكذلك الشأن بالنسبة لورش تعميم التغطية الاجتماعية، الذي أعلن عنه في خطاب عيد العرش، والذي يهدف إلى تجسيد تطلعات شريحة واسعة من السكان نحو مستقبل آمن وأفضل، وتحقيق ثورة تمكن من التغلب على إشكالية اجتماعية طالما أثرت سلبا على ثلثي السكان النشيطين في المغرب، بعدما أظهرت الأرقام أن 60 في المائة من المغاربة النشطين لا يشملهم نظام التقاعد، وحوالي النصف (46 في المائة) فهم لا يستفيدون من التغطية الصحية، بحسب تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لسنة 2018.
 
لكل هذا أقول شكرا كورونا، لأنك أظهرت لنا وجهنا الحقيقي بدون "مكياج"وأملنا كبير في أن يزول هذا الوباء، وتعود الأمور إلى نصابها، وأن يتم استخلاص العبر من الخواتم، فالحياة كما قال عالم فيزياء ألماني "ألبرت أينشتاين"، أشبه بسياقة الدراجة، لتحافظ على توازنك، عليك الاستمرار في السير...
 
 

المناسبة شرط

السلوك الأرعن الذي أقدمت عليه قناة "الشر...وق " الجزائرية تجاه رمز وحدة الأمة المغربية،لا ينبغي أن يفاجئنا بالمرة،فعدو المُجد هو الكسول،وكلما ارتفع الإنسان، انتشرت حوله الغيوم الشديدة السواد،وأشارت إليه سهام الحساد بعيون الحقد و الضغينة.
 
نحن شعب متلاحم حول ملكيته،لم ننحن لأشد العواصف العشواء، ولم ننهزم أمام أشد الصعاب،فبالأحرى أن يؤثر فينا كلام سخيف بإخراج أكثر سخافة وانحطاط.
 
 وخير جواب هنا ما قاله المتنبي في بيته الشعري الذي نحفظه على ظهر قلب "وَإِذا أَتَتكَ مَذَمَّتي مِن ناقِصٍ... فَهِيَ الشَهادَةُ لي بِأَنِّيَ كامِلُ".
 
 

              

















MyMeteo



Facebook
YouTube
Newsletter
Rss

الاشتراك بالرسالة الاخبارية
أدخل بريدك الإلكتروني للتوصل بآخر الأخبار