وهي مرحلة دقيقة بكل المقاييس بالنظر إلى المشاكل الكثيرة والمعقدة التي تشكل تحديات بالغة الصعوبة لا قبل لدولةٍ واحدةٍ منفردة بمواجهتها والتغلب على الصعاب الناتجة عنها والتعامل مع التداعيات المترتبة عليها. وهو الأمر الذي يجعل من التضامن والتعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء، أشد الضرورات إلحاحاً وأكثرها وجوباً للاستجابة لها، ما دام الوصول إلى تحقيق الأهداف الإنمائية الأفريقية مقروناً بتضافر الجهود في إطار من التوافق على أساس المصالح المشتركة، التي تتلخص في استتباب الأمن و السلم وبناء التنمية الشاملة المستدامة. وهذا هو الدافع للاتفاق على تحويل مشروع منطقة التجارة الحرة الأفريقية إلى واقع، والذي جعل منه العنوان الأبرز لقمة الاتحاد الأفريقي.
لقد قام المغرب بالواجب الأفريقي المنوط به، ولعب الدور المنتظر منه في إرساء قواعد العمل الأفريقي المشترك، منذ أن قرر رسمياً العودة إلى الاتحاد الأفريقي في31 يناير سنة 2017، بعد مضي 32 سنة على انسحابه منه. وهو القرار السيادي الذي اتخذه المغرب في سنة 1984، احتجاجاً منه على الانحراف الذي وقع وحاد الاتحاد الأفريقي عن مساره الطبيعي طبقاً لمقتضيات الميثاق وقواعد اللائحة الداخلية، وذلك بقبول انضمام الجمهورية الوهمية ممثلة للبوليساريو إلى الاتحاد الأفريقي. فكان انسحاب المملكة المغربية من منظمة الوحدة الأفريقية، التي كانت بلادنا من الدول الرائدة المؤسسة لها، تعبيراً عن الرفض المطلق للتزوير الذي وقع بضغوط من الجزائر في قوانين الاتحاد، وتأكيداً للانتماء الخالص والمسؤول للتجمع الإقليمي الذي تأسس لخدمة الوحدة الأفريقية، وليس لتمزيق الدول ذات السيادة الكاملة، وترفيع جبهة انفصالية أعضاؤها عصابة من المرتزقة، إلى ( دولة) أحدث لها مقعد في المنظمة التي تحولت إلى الاتحاد.
ولكن المغرب، وبعد ثلاثة عقود من الانسحاب السيادي، قرر أن يعود إلى مقعده، وأن يكافح سياسياً من داخل أجهزة الاتحاد من أجل تحقيق الأهداف الأفريقية في النماء والبناء والإنشاء لقواعد متينة يقوم عليها العمل الأفريقي المشترك، للنهوض بالقارة في المجالات الإنمائية المتعددة، مبرهناً على الواقعية السياسية والفعالية الدبلوماسية والنجاعة في المواقف التي يتخذها على الصعيد الأفريقي كما على الأصعدة كافة.
ولقد أثمرت عودة المغرب إلى البيت الأفريقي الذي وضعت قواعده في الدار البيضاء قبل ستة عقود، وأتت أكلها وحققت نجاحات متوالية، وأثبتت عمق الرؤية الملكية وحكمتها وتبصرها وواقعيتها، وأكدت أن وجود المغرب في قلب التجمع الإقليمي الأفريقي، يخدم في الأساس الأهداف الإفريقية المشتركة، بقدرما يحقق مكاسب سياسية واقتصادية له.
وفي القمة الأخيرة للاتحاد الأفريقي، عرف الأفارقة أن المغرب دولة محورية في القارة، حين تابعوا التحركات الدبلوماسية التي قام بها الوفد المغربي إلى القمة وإلى الاجتماعات الممهدة لها، خصوصاً اجتماع مجلس السلم والأمن الأفريقي الذي صادق على إعلان طنجة للارتباط بين السلم والأمن والتنمية، الذي يفزع النظام الجزائري ويقض مضجعه ويشكل له أزمة يعمل بجهد جهيد للتغلب عليها، ولكن دون جدوى.
المغرب ماضٍ في طريقه زاحفاَ نحو الأمام، لا يلتفت إلى الوراء، ولا يأبه للتحركات المريبة التي تقوم بها الجزائر للتأثير على السياسة الجادة والهادفة التي يعتمدها ويتبناها ويعمل على مواصلة تنفيذها، في ضوء الرؤية الملكية الهادية إلى سواء السبيل، ألا وهو الحفاظ على وحدتنا الترابية، وتنمية بلادنا والنهوض بها، والتعاون مع الأشقاء الأفارقة في بناء المستقبل الأفريقي الأكثر عدلاً وإنصافاً ونماءً وازدهاراً وأمناَ.
العلم