*العلم الإلكترونية*
في اليوم السادس عشر من شهر نوفمبر سنة 1955، عاد جلالة الملك محمد الخامس، رحمه الله، من المنفى الذي دام 28 شهراً إلى أرض الوطن منتصراً مظفراً متوجاً بأكاليل العزة والمجد والسؤدد، فكانت عودته عيداً وطنياً ليس كالأعياد، لأنه انبعاث أمةٍ، وتحرير وطنٍ، واستقلال دولةٍ، وانتصار ملكٍ أخلص لشعبه، ووفى للأمانة، وصمد أقوى ما يكون الصمود المقاوم، في وجه غطرسة الاستعمار، وجبروت الاحتلال، وطغيان سلطات الحماية الفرنسية التي أذاقت الشعب المغربي صنوف الظلم والقهر، ومارست أعتى أساليب الحصار والمضايقة والرقابة، على الملك الشرعي للبلاد، الذي رفض أن ينصاع للضغوط الاستعمارية والتوقيع على مراسيم تسلب من الجالس على العرش صلاحياته، وتجعله طائعاً راضياً بالأمر الواقع، مستسلماً لسياسة الإقامة العامة التي تمثل الدولة القائمة على الاحتلال تحت غطاء الحماية، واستناداً إلى معاهدة 30 مارس سنة 1912 التي فرضت على المغرب، ووقع عليها السلطان مولاي عبد الحفيظ تحت التهديد والضغط والمكر الخبيث.
لقد كان يوم الخميس 20 غشت سنة 1953 يوماً كئيباً بلغت فيه السياسة الفرنسية ذروة الإجرام حين قامت بنفي جلالة الملك محمد الخامس ونجليه الأميرين مولاي الحسن ومولاي عبد الله وأسرته الملكية، إلى جزيرة كورسيكا بفرنسا، ومنها إلى جزيرة مدغشقر المستعمرة الفرنسية بالمحيط الهندي شرقي أفريقيا.
ولنتتبع قصة ذلك اليوم الذي وقعت فيه الجريمة العظمى كما رواها لنا المرحوم الاستاذ عبد الكريم غلاب:
(حضر المقيم العام الجنرال غيوم إلى القصر الملكي بالرباط، وبمعيته القائد الأعلى لجيش الاحتلال الجنرال دوفان ومدير الأمن دوتيل وعدد من الموظفين الكبار في الإقامة العامة. بادر المقيم جلالةَ الملك بالقول: لدواعي الأمن تطلب منكم الإقامة العامة التنازل عن العرش، فإذا قبلتم ذلك عن طيب خاطر يمكنكم أن تقيموا أنتم وعائلتكم في فرنسا أحراراً معززين. أجاب الملك: لا يمكنني أن أتخلى عن أمانة أضطلع بها بصفة مشروعة، وإذا كانت الحكومة الفرنسية تعتبر أن الدفاع عن الحرية والشعب بمثابة جريمة تعاقب عليها، فإني أعتبرها فضيلة يفاخر بها وتمنح صاحبها المجد. ثم قال المقيم : إذا لم تتنازلوا حالاً عن العرش برضاكم، فإني مكلف بإبعادكم عن البلاد صيانةً للأمن. فأجاب الملك: إني ملك البلاد الشرعي، ولن أخون أبداً الأمانة التي ائتمنني عليها شعبي الوفي المخلص. إن فرنسا قوية فلتفعل ما تشاء. وبعد ذلك طلب المقيم العام إحضار الأميرين مولاي الحسن ومولاي عبد الله، وأشار إلى ضابط فرنسي فدفع الملكَ أمامه والمسدس في يده الأخرى، ودفع الضباط الآخرون الأميرين وهم يوجهون رشاشاتهم إلى ظهريهما، وانطلقت ثلاث سيارات سوداء من باب القصر دون أن يتمكن الملك من توديع أهله ووالدته وبناته، نحو المطار العسكري في الرباط). غلاب، تاريخ الحركة الوطنية بالمغرب، ج 2.
لقد خرقت فرنسا بجريمتها هذه، وبصفة سافرة، معاهدة الحماية لسنة 1912، وخاصة المادة الثالثة التي تنص على أن (تتعهد حكومة الجمهورية الفرنسية أن تبذل لجلالته الشريفة تأييداً دائماً ضد جميع الأخطار التي قد تهدد شخصه أو عرشه أو تقلق راحة ولايته، وسيمنح وريث العرش وخلفاؤه من بعده التأييد ذاته).
قضى جلالة الملك محمد الخامس فترة عصيبة في منفاه بكورسيكا، إلى أواخر شهر يناير سنة 1954، حيث نقل مع أسرته الملكية إلى مدغشقر التي لم يغادرها إلا في ليلة 30 أكتوبر سنة 1955، متوجهاً إلى فرنسا حيث وصلت الطائرة مطار مدينة نيس في صباح اليوم التالي 31 أكتوبر. وفي يوم 6 أكتوبر بدأت المحادثات بين جلالة الملك والمسؤولين الفرنسيين، أسفرت عن بيان سياسي يعد هو بداية الطريق نحو العودة وإعلان الاستقلال.
وبعد العودة المظفرة، ألقى جلالة الملك خطاب العرش في 18 نوفمبر، الذي يصادف الذكرى الثامنة والعشرين لجلوس جلالته على العرش، زف فيه إلى شعبه الوفي بشرى انتهاء عهد الحجر والحماية وبزوغ فجر الاستقلال الحرية.
لقد كان صمود جلالة الملك محمد الخامس وارتباط الشعب بالعرش، عاملين رئيسين في تحقيق الانتصار العظيم بتحرير الوطن واستقلال الدولة وانبعاث الأمة ووحدتها.
في اليوم السادس عشر من شهر نوفمبر سنة 1955، عاد جلالة الملك محمد الخامس، رحمه الله، من المنفى الذي دام 28 شهراً إلى أرض الوطن منتصراً مظفراً متوجاً بأكاليل العزة والمجد والسؤدد، فكانت عودته عيداً وطنياً ليس كالأعياد، لأنه انبعاث أمةٍ، وتحرير وطنٍ، واستقلال دولةٍ، وانتصار ملكٍ أخلص لشعبه، ووفى للأمانة، وصمد أقوى ما يكون الصمود المقاوم، في وجه غطرسة الاستعمار، وجبروت الاحتلال، وطغيان سلطات الحماية الفرنسية التي أذاقت الشعب المغربي صنوف الظلم والقهر، ومارست أعتى أساليب الحصار والمضايقة والرقابة، على الملك الشرعي للبلاد، الذي رفض أن ينصاع للضغوط الاستعمارية والتوقيع على مراسيم تسلب من الجالس على العرش صلاحياته، وتجعله طائعاً راضياً بالأمر الواقع، مستسلماً لسياسة الإقامة العامة التي تمثل الدولة القائمة على الاحتلال تحت غطاء الحماية، واستناداً إلى معاهدة 30 مارس سنة 1912 التي فرضت على المغرب، ووقع عليها السلطان مولاي عبد الحفيظ تحت التهديد والضغط والمكر الخبيث.
لقد كان يوم الخميس 20 غشت سنة 1953 يوماً كئيباً بلغت فيه السياسة الفرنسية ذروة الإجرام حين قامت بنفي جلالة الملك محمد الخامس ونجليه الأميرين مولاي الحسن ومولاي عبد الله وأسرته الملكية، إلى جزيرة كورسيكا بفرنسا، ومنها إلى جزيرة مدغشقر المستعمرة الفرنسية بالمحيط الهندي شرقي أفريقيا.
ولنتتبع قصة ذلك اليوم الذي وقعت فيه الجريمة العظمى كما رواها لنا المرحوم الاستاذ عبد الكريم غلاب:
(حضر المقيم العام الجنرال غيوم إلى القصر الملكي بالرباط، وبمعيته القائد الأعلى لجيش الاحتلال الجنرال دوفان ومدير الأمن دوتيل وعدد من الموظفين الكبار في الإقامة العامة. بادر المقيم جلالةَ الملك بالقول: لدواعي الأمن تطلب منكم الإقامة العامة التنازل عن العرش، فإذا قبلتم ذلك عن طيب خاطر يمكنكم أن تقيموا أنتم وعائلتكم في فرنسا أحراراً معززين. أجاب الملك: لا يمكنني أن أتخلى عن أمانة أضطلع بها بصفة مشروعة، وإذا كانت الحكومة الفرنسية تعتبر أن الدفاع عن الحرية والشعب بمثابة جريمة تعاقب عليها، فإني أعتبرها فضيلة يفاخر بها وتمنح صاحبها المجد. ثم قال المقيم : إذا لم تتنازلوا حالاً عن العرش برضاكم، فإني مكلف بإبعادكم عن البلاد صيانةً للأمن. فأجاب الملك: إني ملك البلاد الشرعي، ولن أخون أبداً الأمانة التي ائتمنني عليها شعبي الوفي المخلص. إن فرنسا قوية فلتفعل ما تشاء. وبعد ذلك طلب المقيم العام إحضار الأميرين مولاي الحسن ومولاي عبد الله، وأشار إلى ضابط فرنسي فدفع الملكَ أمامه والمسدس في يده الأخرى، ودفع الضباط الآخرون الأميرين وهم يوجهون رشاشاتهم إلى ظهريهما، وانطلقت ثلاث سيارات سوداء من باب القصر دون أن يتمكن الملك من توديع أهله ووالدته وبناته، نحو المطار العسكري في الرباط). غلاب، تاريخ الحركة الوطنية بالمغرب، ج 2.
لقد خرقت فرنسا بجريمتها هذه، وبصفة سافرة، معاهدة الحماية لسنة 1912، وخاصة المادة الثالثة التي تنص على أن (تتعهد حكومة الجمهورية الفرنسية أن تبذل لجلالته الشريفة تأييداً دائماً ضد جميع الأخطار التي قد تهدد شخصه أو عرشه أو تقلق راحة ولايته، وسيمنح وريث العرش وخلفاؤه من بعده التأييد ذاته).
قضى جلالة الملك محمد الخامس فترة عصيبة في منفاه بكورسيكا، إلى أواخر شهر يناير سنة 1954، حيث نقل مع أسرته الملكية إلى مدغشقر التي لم يغادرها إلا في ليلة 30 أكتوبر سنة 1955، متوجهاً إلى فرنسا حيث وصلت الطائرة مطار مدينة نيس في صباح اليوم التالي 31 أكتوبر. وفي يوم 6 أكتوبر بدأت المحادثات بين جلالة الملك والمسؤولين الفرنسيين، أسفرت عن بيان سياسي يعد هو بداية الطريق نحو العودة وإعلان الاستقلال.
وبعد العودة المظفرة، ألقى جلالة الملك خطاب العرش في 18 نوفمبر، الذي يصادف الذكرى الثامنة والعشرين لجلوس جلالته على العرش، زف فيه إلى شعبه الوفي بشرى انتهاء عهد الحجر والحماية وبزوغ فجر الاستقلال الحرية.
لقد كان صمود جلالة الملك محمد الخامس وارتباط الشعب بالعرش، عاملين رئيسين في تحقيق الانتصار العظيم بتحرير الوطن واستقلال الدولة وانبعاث الأمة ووحدتها.