دول العالم المحايدة في دوامة التهديدات الاقتصادية والسياسية
الكرملين يشدد أنه على حكومة كييف وحلفائها في الناتو وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بحقوق موسكو والواقع الذي فرضته العملية العسكرية على الأرض. العديد من السياسيين في روسيا وخارجها للمقارنة بشكل ما يذكرون بالتدخل الغربي الأمريكي أساسا المسلح ضد يوغسلافيا سنة 1999 وتقسيمها تحت شعار حماية العرقيات المختلفة فيها.
الكرملين كرر كذلك مع استمرار العملية العسكرية على ضرورة تعديل النظام العالمي إلى القطبية المتعددة وإنهاء سيطرة قوة واحدة تتصرف كما تشاء في العالم وخاصة دول العالم الثالث.
في دول التحالف الغربي الناتو يكثر الحديث عن ضرورة التمسك بالإستراتيجية القائمة على منع روسيا من تحقيق أي مكاسب سياسية أو عسكرية أو اقتصادية من عمليتها العسكرية لأن ذلك سيهدد استمرار النظام الدولي القائم منذ العقد الأخير من القرن العشرين مع انهيار الاتحاد السوفيتي وفرض واشنطن نظام القطب الواحد وما تسميه نظام القواعد الدولية. وفي نطاق هذه الإستراتيجية تتفاوت المواقف والمطالب المعلنة في عواصم التحالف الغربي بين ضرورة انتصار أوكرانيا عسكريا وإذلال موسكو وإضعاف قوتها في كل المجالات وبين إجبار الكرملين على الجنوح إلى التسوية السياسية والانسحاب من الأراضي التي يسيطر عليها وتخليه عن شروطه الأمنية وتوسيع حلف الناتو إلى المزيد من الدول في شرق أوروبا.
بعد أن انطلقت العملية العسكرية الروسية الخاصة في 24 فبراير 2022 بعد فشل التوصل إلى تنفيذ اتفاق مينسك الذي وقعت عليه برعاية وضمانات فرنسية وألمانية، روسيا وأوكرانيا في العاصمة البيلاروسية مينسك في 5 سبتمبر 2014، والذي اعترفت كل من باريس وبرلين في نهاية سنة 2022 أنه كان مجرد مناورة لتمكين كييف من بناء قدراتها العسكرية، حركت الدول الغربية حملة حصار غير مسبوقة ضد روسيا في شكل ما وصف بالعقوبات، أكثر من 14022 وفقا لبيانات شركة “كاستيلوم. إيه آي” (Castellum.AI) السويدية المتخصصة برصد المخاطر المتعلقة بالعقوبات. ما سمي بالعقوبات شمل العديد من المجالات مثل الأرصدة المالية والبنوك والشركات ومصادر الطاقة والتجارة والنقل والإعلام والتكنولوجيا والسيارات والرياضة والأفراد والمجال الجوي والكثير غير ذلك.
تقريبا في شهر أبريل 2022 أكد كبار القادة والساسة والكثير من المحللين في التحالف الغربي أن روسيا ستفلس وسينهار اقتصادها وسيثور شعبها على قياداته ويسقطها وستثبت واشنطن تفوقها عالميا وستأتي بعد ذلك مرحلة تدجين الصين وتتحقق نظرية نهاية التاريخ وعصر الإيديولوجيات المتنافسة، وتفرض سيادة الديمقراطية الليبرالية كأعلى نموذج ينتجه الفكر السياسي، والرأسمالية كأعلى نموذج ينتجه الفكر الاقتصادي.
لم تنهار روسيا واعترف الغرب على مضدد بأن سياسة الحصار لم تنجح مرحليا وأنه يجب الانتظار لأشهر أو حتى سنوات لتظهر النتائج المرجوة. خلال الأشهر الأخيرة من سنة 2022 بدأت الدول الغربية وغيرها تعاني في مواجهة أزمات اقتصادية متصاعدة حاولت مواجهتها بسياسة المزيد من القروض الداخلية والخارجية وهو ما أصبح يهدد العديد منها بمواجهة الركود وحتى الإفلاس. مع بداية سنة 2023 لجأ ساسة واشنطن وحلفاؤها إلى سياسة التهديد العلنية والوعيد ضد غالبية دول العالم لأنها لا تشاركهم في فرض الحصار على روسيا، وأخذت واشنطن تثير للعديد من الدول التي لا تشاركها مشاكل اقتصادية وسياسية عبر وسائل إعلامها أو المؤسسات المالية كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي وغيرهما. جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية حذرت مرارا منذ بداية سنة 2023 من أن الولايات المتحدة ستفرض عقوبات على المتعاملين مع روسيا وهددت بــ”عواقب وخيمة” على الدول التي تخرق النظام الاقتصادي الدولي مضيفة أن “التكامل الاقتصادي يتم استخدامه كسلاح من قبل روسيا”، داعية جميع الدول المسؤولة إلى الاتحاد في مواجهة حرب روسيا في أوكرانيا. واشنطن وحلفاؤها هددوا وقالوا “ندعو الدول الثالثة أو الجهات الفاعلة الدولية الأخرى التي تسعى إلى الالتفاف على تدابيرنا أو تقويضها للكف عن تقديم الدعم المادي للحرب الروسية أو مواجهة تكاليف باهظة”.
حتى قبل أن تدخل الحرب في وسط شرق أوروبا سنتها الثانية، كثرت في الغرب وخارجه التحذيرات من تصاعد حدة المواجهة حتى الوصول إلى كارثة حرب عالمية ثالثة، وموازاة مع ذلك أشار خبراء عسكريون إلى أن الكرملين هو الذي يجر الغرب إلى الكمين وأنه يريد أن يلحق بالناتو هزيمة أكبر من تلك التي عرفها في الفيتام وأفغانستان ويكلفه خسائر تفوق تلك التي دفعها في العراق. البعض من العسكريين ذكروا أن الجيش الروسي لم يستخدم في أوكرانيا سوى جزء صغير من قواته. جنرال أمريكي أفاد أن موسكو التي تملك آلاف الطائرات لم توظف سوى عدد جد ضئيل منها والأمر كذلك بالنسبة للمقدرات العسكرية الأخرى. وتتبع القيادة العسكرية الروسية تكتيكا مرنا في التحرك يفرض على الخصم استخدام أكبر قدر من قدراته مما يسهل استنزافها ويضع ضغوطا على ترسانة دول حلف الناتو. وينبه خبراء عسكريون في الناتو إلى أن موسكو لا تزال تبقي شبكة الطرق والسكك الحديدية الأوكرانية خارج أهدافها، وأن كييف حرمت بسبب الحرب من أكثر من 12 مليون من مواطنيها الذين نزحوا إلى دول غربية.
على صعيد آخر ومع تكرر الحديث عن استخدام السلاح النووي يشير اتحاد العلماء الأمريكيين إلى أن روسيا، التي ورثت الأسلحة النووية للاتحاد السوفيتي، تملك أكبر مخزون في العالم من الرؤوس الحربية النووية. ولديها رؤوس حربية نووية أكثر من التي تملكها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا مجتمعة.
الكرملين كرر كذلك مع استمرار العملية العسكرية على ضرورة تعديل النظام العالمي إلى القطبية المتعددة وإنهاء سيطرة قوة واحدة تتصرف كما تشاء في العالم وخاصة دول العالم الثالث.
في دول التحالف الغربي الناتو يكثر الحديث عن ضرورة التمسك بالإستراتيجية القائمة على منع روسيا من تحقيق أي مكاسب سياسية أو عسكرية أو اقتصادية من عمليتها العسكرية لأن ذلك سيهدد استمرار النظام الدولي القائم منذ العقد الأخير من القرن العشرين مع انهيار الاتحاد السوفيتي وفرض واشنطن نظام القطب الواحد وما تسميه نظام القواعد الدولية. وفي نطاق هذه الإستراتيجية تتفاوت المواقف والمطالب المعلنة في عواصم التحالف الغربي بين ضرورة انتصار أوكرانيا عسكريا وإذلال موسكو وإضعاف قوتها في كل المجالات وبين إجبار الكرملين على الجنوح إلى التسوية السياسية والانسحاب من الأراضي التي يسيطر عليها وتخليه عن شروطه الأمنية وتوسيع حلف الناتو إلى المزيد من الدول في شرق أوروبا.
بعد أن انطلقت العملية العسكرية الروسية الخاصة في 24 فبراير 2022 بعد فشل التوصل إلى تنفيذ اتفاق مينسك الذي وقعت عليه برعاية وضمانات فرنسية وألمانية، روسيا وأوكرانيا في العاصمة البيلاروسية مينسك في 5 سبتمبر 2014، والذي اعترفت كل من باريس وبرلين في نهاية سنة 2022 أنه كان مجرد مناورة لتمكين كييف من بناء قدراتها العسكرية، حركت الدول الغربية حملة حصار غير مسبوقة ضد روسيا في شكل ما وصف بالعقوبات، أكثر من 14022 وفقا لبيانات شركة “كاستيلوم. إيه آي” (Castellum.AI) السويدية المتخصصة برصد المخاطر المتعلقة بالعقوبات. ما سمي بالعقوبات شمل العديد من المجالات مثل الأرصدة المالية والبنوك والشركات ومصادر الطاقة والتجارة والنقل والإعلام والتكنولوجيا والسيارات والرياضة والأفراد والمجال الجوي والكثير غير ذلك.
تقريبا في شهر أبريل 2022 أكد كبار القادة والساسة والكثير من المحللين في التحالف الغربي أن روسيا ستفلس وسينهار اقتصادها وسيثور شعبها على قياداته ويسقطها وستثبت واشنطن تفوقها عالميا وستأتي بعد ذلك مرحلة تدجين الصين وتتحقق نظرية نهاية التاريخ وعصر الإيديولوجيات المتنافسة، وتفرض سيادة الديمقراطية الليبرالية كأعلى نموذج ينتجه الفكر السياسي، والرأسمالية كأعلى نموذج ينتجه الفكر الاقتصادي.
لم تنهار روسيا واعترف الغرب على مضدد بأن سياسة الحصار لم تنجح مرحليا وأنه يجب الانتظار لأشهر أو حتى سنوات لتظهر النتائج المرجوة. خلال الأشهر الأخيرة من سنة 2022 بدأت الدول الغربية وغيرها تعاني في مواجهة أزمات اقتصادية متصاعدة حاولت مواجهتها بسياسة المزيد من القروض الداخلية والخارجية وهو ما أصبح يهدد العديد منها بمواجهة الركود وحتى الإفلاس. مع بداية سنة 2023 لجأ ساسة واشنطن وحلفاؤها إلى سياسة التهديد العلنية والوعيد ضد غالبية دول العالم لأنها لا تشاركهم في فرض الحصار على روسيا، وأخذت واشنطن تثير للعديد من الدول التي لا تشاركها مشاكل اقتصادية وسياسية عبر وسائل إعلامها أو المؤسسات المالية كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي وغيرهما. جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية حذرت مرارا منذ بداية سنة 2023 من أن الولايات المتحدة ستفرض عقوبات على المتعاملين مع روسيا وهددت بــ”عواقب وخيمة” على الدول التي تخرق النظام الاقتصادي الدولي مضيفة أن “التكامل الاقتصادي يتم استخدامه كسلاح من قبل روسيا”، داعية جميع الدول المسؤولة إلى الاتحاد في مواجهة حرب روسيا في أوكرانيا. واشنطن وحلفاؤها هددوا وقالوا “ندعو الدول الثالثة أو الجهات الفاعلة الدولية الأخرى التي تسعى إلى الالتفاف على تدابيرنا أو تقويضها للكف عن تقديم الدعم المادي للحرب الروسية أو مواجهة تكاليف باهظة”.
حتى قبل أن تدخل الحرب في وسط شرق أوروبا سنتها الثانية، كثرت في الغرب وخارجه التحذيرات من تصاعد حدة المواجهة حتى الوصول إلى كارثة حرب عالمية ثالثة، وموازاة مع ذلك أشار خبراء عسكريون إلى أن الكرملين هو الذي يجر الغرب إلى الكمين وأنه يريد أن يلحق بالناتو هزيمة أكبر من تلك التي عرفها في الفيتام وأفغانستان ويكلفه خسائر تفوق تلك التي دفعها في العراق. البعض من العسكريين ذكروا أن الجيش الروسي لم يستخدم في أوكرانيا سوى جزء صغير من قواته. جنرال أمريكي أفاد أن موسكو التي تملك آلاف الطائرات لم توظف سوى عدد جد ضئيل منها والأمر كذلك بالنسبة للمقدرات العسكرية الأخرى. وتتبع القيادة العسكرية الروسية تكتيكا مرنا في التحرك يفرض على الخصم استخدام أكبر قدر من قدراته مما يسهل استنزافها ويضع ضغوطا على ترسانة دول حلف الناتو. وينبه خبراء عسكريون في الناتو إلى أن موسكو لا تزال تبقي شبكة الطرق والسكك الحديدية الأوكرانية خارج أهدافها، وأن كييف حرمت بسبب الحرب من أكثر من 12 مليون من مواطنيها الذين نزحوا إلى دول غربية.
على صعيد آخر ومع تكرر الحديث عن استخدام السلاح النووي يشير اتحاد العلماء الأمريكيين إلى أن روسيا، التي ورثت الأسلحة النووية للاتحاد السوفيتي، تملك أكبر مخزون في العالم من الرؤوس الحربية النووية. ولديها رؤوس حربية نووية أكثر من التي تملكها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا مجتمعة.
لا نهاية في الأفق..
جاء في تقرير نشر في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم 25 فبراير 2023:
تعهدت روسيا من جهة، وأوكرانيا وحلفاؤها، من جهة أخرى، على مواصلة القتال في حرب لا نهاية لها في الأفق، بحسب تقرير إخباري لصحيفة “نيويورك تايمز”.
يأتي ذلك بالتزامن مع الذكرى الأولى للغزو الروسي لجارتها الواقعة في أوروبا الشرقية، إذ أصرت كلا من موسكو وكييف على تحقيق النصر في أرض المعركة.
وأعد الرئيس الروسي، فلادمير بوتين، بلاده لشن حرب طويلة “خطوة بخطوة”، بينما قال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، “لن نتعب” في السعي لضمان أوكرانيا ديمقراطية.
وفي مؤتمر صحفي بالعاصمة كييف، يوم الجمعة 24 فبراير، قال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إنه “متأكد” من انتصار بلاده، واصفا النصر بأنه أمر لا مفر منه.
وبينما استلمت كييف أولى طلائع الدبابات الغربية، قال زيلينسكي: “ستفعل كل شيء لتحقيق النصر هذه السنة”.
في موسكو، أعلن الرئيس الروسي السابق، دميتري ميدفيديف، الجمعة، أيضا أن موسكو “ستنتصر” في أوكرانيا، مؤكدا أن بلاده على استعداد للمضي حتى حدود بولندا.
ومع ذلك، لم يوضح أي من القادة كيف يمكن تحقيق هذا النصر المنشود، بينما كانوا يشيرون لحرب بلا نهاية واضحة.
وقال يوغين رومر، ضابط مخابرات أمريكي سابق ومدير برنامج روسيا بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن، إن “بوتين ملتزم بأكثر من أي وقت مضى بفوزه الكبير”.
وأضاف أن “الأوكرانيين ملتزمون أكثر من أي وقت مضى بهزيمة بوتين، حتى لو كان ذلك بأبشع ثمن”.
ومع ذلك، فإن إعلان العزم على مواصلة القتال أسهل بكثير من حشد الموارد والدعم للعمل على تحيق الانتصار في ساحة المعركة.
وفي حين تستمد أوكرانيا مواردها بشكل متزايد من الدول الغربية، تعتمد روسيا على العلاقات الوثيقة والتعاون الاقتصادي مع الصين والهند ودول كثيرة عبر العالم، فضلا عن الجماهير الروسية.
كرر القادة الأمريكيون والأوروبيون علنا أن الأمر متروك لأوكرانيا وحدها لتحديد أهداف الصراع وتقرير متى تكون مستعدة للتفاوض على إنهاء هذه الحرب.
لكن بعض المحللين يعتقدون أن خطر التصعيد الروسي والآثار العكسية على الاقتصاد العالمي يعني أنه من مصلحة واشنطن دفع أوكرانيا نحو أهداف أكثر واقعية ومفاوضات مع موسكو.
وقال تشارلز كوبشان، المسؤول السابق في إدارة أوباما والزميل البارز حاليا بمجلس العلاقات الخارجية، “لقد حان الوقت للولايات المتحدة وحلفائها للمشاركة بشكل مباشر في تشكيل أهداف أوكرانيا الإستراتيجية وإدارة الصراع والسعي إلى نهاية اللعبة الدبلوماسية”.
ويدرك كبار المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين أن لديهم أيضا مصالحهم الوطنية الخاصة التي قد لا تتوافق تماما مع مصالح كييف – والسبب الرئيسي هو أنه في حين أن دول الناتو ستزود الأوكرانيين وتدريبهم، فإنها لن تقاتل إلى جانبهم.
وتعمل الولايات المتحدة أيضا على اختيار الأسلحة التي تزودها للأوكرانيين بعناية، في محاولة لضمان عدم انجرار الناتو إلى حرب أكبر مع روسيا.
بوتين يصر على الانتصار
قالت أنغيلا إي ستينت، الباحثة المتخصصة بالشؤون الروسية بجامعة جورج تاون ومؤلفة كتاب “عالم بوتين” إن “المشكلة هي أن الولايات المتحدة تمنح أوكرانيا ما يكفي لدفع الروس إلى الوراء، لكن ليس بما يكفي للفوز”.
ويصف بوتين، أوكرانيا الموالية للغرب بأنها تهديد مميت “معاد لروسيا”، حسبما قال في خطابه، الثلاثاء 21 فبراير.
بوتين أكد كذلك، في خطاب مقتضب خلال مهرجان وطني كبير في ملعب لوجنيكي في موسكو، أن روسيا تحارب حاليا في أوكرانيا من أجل “أراضيها التاريخية” ما يوحي أنه ليست لديه نية في التخلي عن أهدافه بعد سنة كاملة.
وذكر بوتين على منصة أمام حشد ضم عشرات الآلاف من الروس، “اليوم، أخبرتني القيادة “العسكرية” أن معارك جارية داخل أراضينا التاريخية من أجل شعبنا”. وأثناء ظهوره، أشاد الرئيس بالعسكريين الروس المنتشرين في أوكرانيا الذين “يقاتلون ببطولة وشجاعة وبسالة: نحن فخورون بهم”.
وأضاف أن كل من يدعمون الجيش الروسي “هم أنفسهم مدافعون عن الوطن.. عاملون طبيون وموظفون في قطاع الدفاع والنقل.. أنتم جميعا الذين جئتم اليوم لدعم مقاتلينا”.
الزميلة البارزة بمؤسسة كارينغي للسلام الدولي، تاتيانا ستانوفايا، ذكرت إن بوتين يعتقد أن احتلاله للأراضي الأوكرانية هو مجرد جزء من صراع أوسع ومتعدد الجوانب.
وتابعت: “إنه يريد بنية جديدة للأمن الدولي وعدم توسع الناتو، واستسلام كييف. أما الاستيلاء على المناطق الأوكرانية فليس سوى إضافة لذلك”.
ويعتقد محللون أن بوتين سيحتاج إلى استدعاء المزيد من القوات من أجل الحصول على فرصة لتحقيق مكاسب كبيرة على الأرض في ساحة المعركة.
وذكرت دارا ماسيكوت، كبيرة باحثي السياسات بمؤسسة “راند” والمهتمة بالشؤون الروسية، “سيحتاجون إلى تجديد الأفراد”.
وأضافت بقولها: “التساؤل هل ستكون عمليات استدعاء صغيرة ومتجددة أم أنها ستكون مجموعة كبيرة أخرى؟”، مشيرة إلى أن الإجابة تعتمد على أي مدى يعتقد الروس أنهم يستطيعون شن هجوم. غير أن محللين آخرين ذكروا أن الجيش الروسي لا يستخدم سوى ما بين 20 و 25 ألف جندي في العمليات العسكرية النشطة بينما يبقى حوالي 350 الف حندي في خطوط حربية خامدة على جبهة طولها أكثر من 1015 كلم مع أوكرانيا.
الحرب ستنهى في ساحة المعركة
في العاصمة الألمانية برلين ذكر يوم 22 فبراير 2023 أن رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الألماني، برونو كال، أكد في تصريحات لمجموعة “آر إن دي” الإعلامية الألمانية إنه لا مؤشرات على الإطلاق على أن بوتين مستعد للتوصل إلى اتفاق سلام.
ورأى أن بوتين مهتم في الوقت الحالي بإنهاء الصراع “في ساحة المعركة والحصول على أكبر عدد ممكن من المزايا هناك من أجل ربما إملاء اتفاق سلام بشروطه في مرحلة ما في المستقبل”.
كما أشار كال إلى أن روسيا لا تزال قادرة على إرسال المزيد من الجنود إلى الجبهة. وأضاف أنه من بين 300 ألف شخص حشدتهم موسكو في خريف عام 2022 لا يزال بعضهم قيد التدريب بينما أرسل آخرون بالفعل إلى الخطوط الأمامية.
وأضاف إن روسيا لديها “إمكانية تعبئة إضافية سريعة” تصل إلى “نحو مليون رجل، إذا اعتبر ذلك ضروريا في الكرملين”.
تعديل ملامح النظام الدولي
جاء في تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” ونقله موقع الحرة الأمريكي يوم 26 فبراير 2023:
بعد عام على الهجوم الروسي، أصبح الصراع في أوكرانيا حربا يخوضها الغرب إلى حد كبير، رغم عدم وجود قوات أمريكية أو أخرى تابعة لحلف الناتو في أرض المعركة.
وأفادت الصحيفة إن الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين وكندا أرسلوا – حتى الآن – حوالي 120 مليار دولار من الأسلحة والمساعدات الأخرى إلى أوكرانيا مع توقعات بقدوم إمدادات عسكرية جديدة وأكثر تقدما.
وانتقلت الأهداف الغربية تدريجيا من منع طمس أوكرانيا إلى دعم انتصارها العسكري على روسيا، بحسب تقرير الصحيفة الذي يشير إلى أن ذلك يمثل التزاما أكثر طموحا ينطوي على مخاطر أعلى بكثير، ولكنه أيضا يمنح مكافآت إستراتيجية للتحالف الغربي.
في آسيا والشرق الأوسط وأماكن أخرى، يحسب خصوم الغرب الجيوسياسيون ما إذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها لديهم القدرة على التحمل والتماسك للدفاع عن النظام الدولي القائم على القواعد والذي أفاد الغرب لعقود.
ويرتبط مستقبل تايوان وبحر الصين الجنوبي على وجه الخصوص وكذلك الصراعات في الشرق الأوسط وأفريقيا، ارتباطا وثيقا بنتيجة صراع أوكرانيا، إذ إن بكين وغيرها يراقبون عن كثب ليروا الثمن الذي تدفعه روسيا أو المكافأة التي تتلقاها مقابل حربها.
ومن غير المحتمل أن تنتهي الحرب في أوكرانيا خلال أي وقت قريب، إذ يعتقد الطرفان أنهما قادران على الفوز في ساحة المعركة، ولا يوجد مجال كبير لمفاوضات السلام.
وقال السناتور بمجلس الشيوخ الأمريكي، جيمس ريش، “لم يعتقد أحد أن الروس سيشنون حربا في القرن الحادي والعشرين”. وتابع: “هذا الصراع سيغير وجه أوروبا مثلما فعلت الحرب العالمية الثانية”.
حجم الأسلحة
تعد الولايات المتحدة أكبر داعم لأوكرانيا عسكريا منذ بداية العملية العسكرية الروسية، ووفقا لشركة الأبحاث الألمانية “Statista” وبيانات معهد “كيل” للاقتصاد العالمي، فإن المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا حتى منتصف يناير 2023 بلغت 46.6 مليار دولار، وذلك مقارنة بمتوسط إنفاق عسكري سنوي قدره 43.4 مليار دولار خلال السنوات العشر الأولى من حربها في أفغانستان، وكانت التكاليف العسكرية الأمريكية في حرب فيتنام وحرب العراق والحرب الكورية أعلى بكثير ووصلت إلى أكثر من 4850 مليار دولار.
وبلغت المساعدات العسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة لنظام كييف أكثر من 8500 قطعة من أنظمة جافلين المضادة للدروع، وأكثر من 50 ألف من الأنظمة والذخيرة الأخرى المضادة للدروع، وأكثر من 1600 نظام ستينغر المضاد للطائرات، تبعها ما يقارب 2590 صاروخ تاو، و13 ألف من قاذفات القنابل والأسلحة الخفيفة، وأكثر من 111 مليون رصاصة للأسلحة الخفيفة، وأكثر من 75 ألف مجموعة من الدروع والخوذات.
كما أرسلت 20 طائرة هليكوبتر من طراز Mi-17، وأكثر من 700 طائرة درون من طراز “Switchblade” و1800 طائرة درون من طراز الشبح، و109 عربات قتال من طراز برادلي.
ولم تكتف الولايات المتحدة عند هذا الحد فقد أرسلت الآلاف من أنظمة المراقبة، وأنظمة الرؤية الليلية، وأنظمة الدفاع الجوي والمعدات العسكرية الأخرى.
وتستثني الأرقام المساعدات غير العسكرية، مثل 4.5 مليار دولار التي تعهد بها بايدن لتمويل المعاشات التقاعدية والرواتب الحكومية.
وتتعرض المساعدات الأمريكية لانتقادات واسعة في الأوساط الأمريكية وحتى داخل الكونغرس، فقد وصفت النائبة الديمقراطية سيث مولتون من ولاية ماساتشوستس والجمهورية الجورجية مارجوري تايلور جرين، أزمة أوكرانيا بأنها “حرب بالوكالة” تشنها الولايات المتحدة وحلف الناتو ضد روسيا، كما أعلن بعض الجمهوريين في الكونغرس أنهم يعتزمون منع المساعدات لأوكرانيا.
الصحفي الأمريكي مايكل جودوين قال في مقالة نشرتها صحيفة “نيويورك بوست”، إن وعود الرئيس الأمريكي بايدن بدعم أوكرانيا ليس لها أساس يذكر.
وانتقد، خطاب بايدن في وارسو، الذي في رأيه، لا يأخذ بالاعتبار الوضع الحقيقي في الأزمة الأوكرانية، وفقط يتحدث عن انتصار نظام كييف، مقدما أمنياته كواقع سيحدث.
وأضاف: “الحديث عن وجود فوائد جيوسياسية عظيمة للغرب، سابق لأوانه في أحسن الأحوال. أوكرانيا بعيدة كل البعد عن الانتصار، والتبجح بالنصر الآن فكرة غبية”.
الضابط المتقاعد في مشاة البحرية الأمريكية، إيرل كاتاغنوس، كتب في مقال لـAmerican Thinker أن أوكرانيا قد تتحول إلى أفغانستان أو عراق آخر بالنسبة للدول الغربية، وانتقد فكرة أن روسيا قد خسرت في النزاع الأوكراني، فيما هي مستمرة في القتال منذ عام. وأضاف: “عدم رغبة الغرب في الاعتراف بهذه الحقائق “الروسية” لن يؤدي إلا إلى إخفاقات مثل العراق وأفغانستان”.
ضغوط الغرب
في تصريح لوكالة “RT” يوم 26 فبراير أكد المحلل العسكري اللواء سمير راغب أن روسيا تتحرك للتفاوض من موقع المنتصر “ولن تقدم تنازلات عن أي أراض ضمتها رغم انفتاحها على مبادرات تسوية النزاع في أوكرانيا”.
وأضاف: “بمرور عام على العملية العسكرية الروسية، حرصت كافة أطراف النزاع على إظهار اهتمام كبير بالانفتاح على المفاوضات، كما تم الكشف عن مبادرات من دول كبرى كالصين للتسوية السلمية السريعة للنزاع في جانب، وعلى جانب أخر أظهرت أطراف الصراع عزيمة واستعدادا لاستمرار النزاع داخل وخارج أوكرانيا إلى آخر مدى بما فيها التلويح بالسلاح النووي وتصعيد أجواء الحرب الباردة”.
وأوضح راغب أن الجانب الروسي منفتح على كافة المبادرات لتسوية النزاع في أوكرانيا “على قاعدة المنتصر”، وعلى أساس “عدم التنازل عن أرض يقف عليها جنوده”، أو أقاليم أصبحت روسية، حيث طالب بوتين أوكرانيا بالاعتراف بالأراضي، التي ضمتها موسكو في الاستفتاء، على أنها جزء من روسيا، كما رحب بالتفاوض على طريقة اتفاقية “مينسك 2″، التي وضعت تسوية لأزمة شبه جزيرة القرم.
واعتبر المحلل العسكري والاستراتيجي أن الموقف الروسي هذا “يعلمه الأمريكيون ويصفه المسؤولون في واشنطن بأنه سخيف”، الأمر الذي يعني رفض فكرة السلام مع الطرف الروسي.
وقال إن الجانب الأمريكي يرغب في تسوية سلمية للحرب الأوكرانية بينما يسلك طرقا غير سلمية، وهو يعلم مسبقا أنها لن تحقق النصر، ورسائله الدبلوماسية مختلطة، ما بين الانفتاح على التسوية السلمية وحديثهم المفتوح عن دعم أوكرانيا “للمدة التي يستغرقها الأمر”، إنها رسائل متناقضة يفسرونها بأن هدفهم هو تقوية يد كييف في مفاوضات السلام النهائية من خلال دعم المجهود الحربي، دون تحديد متى وكيف قد تأتي.
وبين ظهور التناقض في السياسة الأمريكية حول السلام والحرب في تصريحات بلينكن، فبينما شدد على أن أوكرانيا يجب أن تتخذ قراراتها الخاصة بشأن متى وكيف يتم صنع السلام، قال هو “إن عدوان روسيا يجب ألا يكافأ بمكاسب إقليمية، خشية أن يكون مثالا يحتذى به للمعتدين المحتملين الآخرين، الذي يعني لا سلام بدون انسحاب روسي من أراضي أوكرانيا”.
واستدرك قائلا: “إذا سحبت روسيا قواتها اليوم، فستنتهي الحرب”. “بالطبع، إذا توقفت أوكرانيا عن القتال اليوم، فستنتهي أوكرانيا.”
وفي حديثه، تطرق اللواء راغب إلى أن لسان حال بلينكن كأنه يقول للأوكرانيين “لا توقفوا الحرب لأن هذا يعني نهاية دولتكم”، وفي الوقت نفسه، نصح المسؤولون الأمريكيون الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، بأن من مصلحته ألا يبدو معارضا تماما للتفاوض، وبناء على التوصية رحب بالمبادرة الصينية للتسوية، مع العلم أن زيلينسكي قدم وثيقة غير رسمية تحوي مقترح من 10 نقاط منها مطالب بمحاسب روسيا على “فظائع الحرب”، كما وتطلب منها تسليم جميع الأراضي الأوكرانية “التي تم الاستيلاء عليها ودفع تعويضات قد تصل إلى مئات المليارات من أضرار الحرب”.
وأضاف: “من الصعب للغاية تصور محادثات سلام جادة. وضع الجانبان شروطا للمفاوضات لا يمكن تلبيتها في أي وقت قريب، وتعهدا بالقتال حتى النصر”.
نتائج بينية وتوقعات
كتب المحلل السياسي ألكسندر نازاروف بتاريخ 23 فبراير 2023:
لا يمكن القول بالطبع إن عاما مضى على بداية الحرب في أوكرانيا. فما يحدث هناك هو حدث محلي صغير في إطار الحرب الهجينة الكبرى التي يشنها الغرب ضد روسيا، والتي لم تتوقف منذ قرون.
أعتقد، في رأيي المتواضع، أن أهم ما حدث في فبراير من عام 2022 هو بداية تأميم النخب الروسية، وقد ساعدنا الغرب كثيرا في ذلك بعقوباته. هنا نجد بوتين حذرا للغاية أيضا، ففي خطابه الأخير أمام الجمعية الفدرالية، شرح بهدوء لرجال الأعمال الروس، ولمدة نصف ساعة، أنهم يتعرضون للسرقة في الغرب، ولن يكون هناك أمامهم سبيل سوى المشاركة في تطوير روسيا. لا يهدد بوتين بالتأميم، وإنما يسعى إلى تجنب الاضطرابات وإعادة توزيع الممتلكات. إنه يخلق فحسب الظروف لتطور البلاد في الاتجاه الصحيح، ومن عام لآخر يوضح أن هدفه الرئيسي هو التنمية الاقتصادية لروسيا، أما الأحداث في أوكرانيا فهي أقل أهمية، ويجب ألا تصرف الانتباه عن هذه المهمة، إنها ليست سوى انحراف مؤسف بسبب الظروف السائدة.
لقد كنت شخصيا مستعد للوم بوتين بسبب افتقاره إلى الحسم المطلوب، إلا أنني أعود وأقارن ما كانت روسيا عليه قبل 20 عاما، وأين هي الآن، لأفهم كيف حدثت التغييرات الضخمة والسريعة، وفقا للمعايير التاريخية، ودون أن نلاحظها بالمرة.
يبدو لي أنه في إطار هذا المنطق، وبعد عام من بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، لم تصل روسيا بعد، لكنها اقتربت من الوضع الذي كان قائما في الفترة من 2014 وحتى 24 فبراير 2022: وضع الصراع المتجمد. أظن أن هذا بالتحديد ما يسعى إليه بوتين في الوقت الراهن.
أخشى أن خط الجبهة سيتجمد لسنوات، على الأقل في النصف الجنوبي من الجبهة. حتى أن بوتين عرض بناء عاصمة مؤقتة لمنطقة خيرسون بدلا من مدينة خيرسون. في الشمال، ستواصل القوات الروسية دفع العدو تدريجيا إلى الغرب من أجل وقف الهجمات الإرهابية على المناطق السكنية في دونباس.
والآن، لم تعد التقارير اليومية من الجبهة تثير اهتمامي، بل إنها، علاوة على ذلك، لم تعد مهمة في رأيي. أعتقد أن بوتين يحاول تطوير هذا الوضع لدى جميع العالم. يجب أن تصبح الحرب في أوكرانيا خلفية مملة، ويجب أن يتراجع الاهتمام العام بها، وألا تترك الصفحات والعناوين الرئيسية فحسب، وإنما تتوارى حتى إلى الصفحة العاشرة، بل ويجب أن ينخفض عدد قراء قناتي على تطبيق “تليغرام” إلى النصف. يجب أن يهدأ العالم، وأن تتغير السياسات الغربية، وأن تترك أوكرانيا جدول الأعمال الحالي. فبعد إعادة توحيد شبه جزيرة القرم مع روسيا، تحمس الغرب أيضا، وحاول مقاطعة روسيا، لكنه نسي بعد عامين.
هذا هو النموذج الذي يجب اتباعه، ومن غير المرجح أن يتحقق بسبب الأزمة العامة المتزايدة للغرب، والتفكك المتسارع للعالم أحادي القطب، إلا أن هذا، فيما أظن، سيكون لبعض الوقت هو هدف روسيا.
في واقع الأمر، يقول بوتين ما هو أوضح من ذلك لفهم خططه: “الدجاجة تنقر الحبوب حبة حبة حتى تشبع”، وأعتبر ذلك المثل الروسي الشائع شعارا لعهد بوتين بالكامل. في وقت سابق، قال إن الوضع بالنسبة لروسيا ليس جديدا، فقد تعين عليها فيما سبق أن تقاتل لعقود تحت حكم بطرس الأكبر وغيره من الحكام من أجل استعادة الأراضي الروسية الأصلية التي احتلها الغرب.. عقودا.
تجنب الحرب لسنوات
ودعوني أذكركم بأن محاولات بوتين لإعادة دونباس إلى أوكرانيا ضد إرادة سكانها استمرت 8 سنوات، لكن الهدف حينها كان استراتيجيا: حيث كان من المفروض أن يمنع دونباس الروسي تحول أوكرانيا كلها إلى رأس الحربة النازية الموجهة من الغرب ضد روسيا. لقد حاول بوتين تجنب الحرب في أوكرانيا لثمان سنوات، وهو الآن بعيد كل البعد عن السعي إلى حرب مباشرة وواسعة النطاق مع الغرب.
بالطبع، هناك خطة بديلة إذا ما فشلت خطط “تهدئة الغرب”. فقد أصبح السياسي الأوكراني المعارض فيكتور ميدفدتشوك، الذي تم القبض عليه في وقت سابق بأوكرانيا، واستبداله بالأسرى من فوج آزوف، نشطا للغاية في الأشهر القليلة الماضية، فيما يكتب المقالات ويجري المقابلات مع القنوات التلفزيونية المركزية الروسية، والتي تعرض في وقت الذروة. ميدفيدتشوك يبلغ من العمر 68 عاما.
بمعنى أن “مدة صلاحيته” تبقى منها 5 سنوات، من المستبعد أكثر من ذلك.. ويمكن أن تكون تلك الفترة مفيدة إذا ما تجسدت في شكل رئيس أوكرانيا الموالية لروسيا، أو بالأحرى ما تبقى منها. فضم عدد من المناطق الناطقة بالروسية في أوكرانيا، في رأيي، يشهد على طبيعة الخطط الخاصة بالنصف الروسي البحت من أوكرانيا، من خاركوف إلى أوديسا.
لكن من غير المرجح أن يحدث هذا التوسع على الفور، حيث تظل الأولوية هي الحفاظ على الاستقرار الداخلي لروسيا، فقد استغرقت عملية نقل شبه جزيرة القرم إلى المعايير الروسية 8 سنوات، وقد بدأت للتو هذه العملية في دونباس. كما سيستغرق هضم منطقتي خيرسون وزابوروجيه عدة سنوات. بهذه الطريقة فقط، وبالتدريج، خطوة بخطوة، مع مراعاة الفرص المالية والاستقرار الداخلي، ستعود روسيا إلى أراضيها النائية في الجنوب الغربي “دعونا نتذكر أن كلمة أوكرانيا في اللغة الروسية تعني “الأراضي القريبة من الحدود”، وسوف يستغرق هذا الأمر سنوات أو حتى عقود.
بطبيعة الحال، سيسعى الغرب إلى منع ذلك عن طريق حرق أوكرانيا في هذه العملية، واستخدام سكانها كعلف للمدافع ضد روسيا.
الوضع في الغرب أصعب من الوضع في روسيا، حيث تمتلك روسيا كل ما هو ضروري للبقاء، هناك فائض من الغذاء والطاقة وقاعدة صناعية للصمود لسنوات طويلة. على الرغم من أنه يجب الاعتراف بأنه بعد عقدين أو ثلاثة عقود من العزلة، فإن التخلف التكنولوجي أمر لا مفر منه، ومحفوف بخطر الخسارة، إلا أن هيمنة الغرب ستنتهي قبل ذلك الوقت، لهذا فلا عزلة ولن تعاني روسيا من العزلة.
لذلك، فإنني أميل إلى توقع هجوم أوكراني كبير وليس من جانب روسيا في الربيع والصيف. وليست الضجة في الغرب حول الهجوم الروسي الكبير الوشيك سوى غطاء دعائي لزيادة إمدادات الأسلحة من أجل الهجوم الأوكراني.
وقد سمحت التعبئة الجزئية في روسيا بالحصول على ما يكفي من الجنود لتولي الدفاع بشكل آمن عن خط الجبهة، ولكن ليس للسيطرة على كل أو حتى معظم أوكرانيا. أعتقد أن روسيا، على الأقل في عام 2023، ستكون في موقف الدفاع. ولكن، في عام 2024، عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية واحتمال زعزعة الاستقرار الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية قد تغير تكتيكاتها من الدفاع إلى الهجوم. فسوف تكون حربا طويلة على أي حال.
أفضل من المتوقع
رهان الغرب على شل الاقتصاد الروسي خلال سنة 2022 سقط بشكل مدوي، وفي محاولة للتخفيف من وقع ذلك يتجدد الحديث عن تأثر موسكو سلبا في سنة 2023، غير أن مزيدا من الاقتصاديين المحايدين يشككون في ذلك ويشيرون إلى الخبرة التي تراكمت لدى موسكو من التصدي خلال الأشهر والسنوات الماضية لسياسة العقوبات.
أظهرت بيانات رسمية أن الاقتصاد الروسي سجل أداء في العام 2022 أفضل من المتوقع على الرغم من العقوبات غير المسبوقة. وكان من الواضح أنه من الصعب جدا إن لم يكن من المستحيل حدوث انتكاسة عندما يكون النظام الاقتصادي المستهدف صاحب المركز الـ12 في قائمة أقوى الأنظمة الاقتصادية حول العالم.
هذا ما خلص إليه عدد من الخبراء عند تقييمهم لأداء الاقتصاد الروسي في عام 2022، وأشاروا إلى أن الاقتصاد الروسي نجح في التكيف مع القيود الشديدة التي تم فرضها في 2022 بفضل الخبرة المكتسبة منذ 2014 في مواجهة العقوبات، التي يبلغ عددها أكثر من 14 ألف قيد.
وذكرت الأستاذة المساعدة في قسم الإحصاء بجامعة بليخانوف الروسية للاقتصاد أولغا ليبيدينسكايا، إن “تجربة العقوبات في 2014 سمحت لروسيا من نواح كثيرة بالتكيف بسرعة مع الظروف الجديدة. نتيجة ذلك لم يكن التباطؤ الاقتصادي عميقا كما كان متوقعا في الأصل”.
وأضافت أن “إجراءات البنك المركزي حافظت على الاستقرار المالي في البلاد، بالإضافة إلى ذلك فإن الميزان الإيجابي للحساب الجاري لميزان المدفوعات ومراقبة الحكومة لأسعار السلع ذات الأهمية الاجتماعية أدى إلى استقرار التضخم”.
وأشارت إلى أن التدابير التي اتخذتها الحكومة الروسية ساهمت في تحقيق الاستقرار في الاقتصاد الكلي وفي الصناعة.
ووفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي، التي خيبت آمال الغرب، فقد سجل الاقتصاد الروسي انخفاضا في العام 2022 بنسبة 2.2 في المئة بعد توقعات أن يهبط بخانة العشرات ووسط توقعات أن يعود إلى النمو عام 2023، إذ ينتظر نموا بنسبة 0.3 في المئة وفي عام 2024 بنسبة 2.1 في المئة.
محركات اقتصادية
تشير بيانات روسية إلى أنه تسجيل معدلات نمو عالية في مجالات مثل الزراعة واستغلال الغابات والصيد وتربية الأسماك والبناء في العام 2022، كذلك تمت ملاحظة ديناميكية إيجابية في أعمال الفنادق والمطاعم ارتفاع 4.3 في المئة، وفي الأنشطة المالية والتأمينية صعود 2.8 في المئة.
فيما تراجعت في العام 2022 قطاعات اقتصادية مثل تجارة الجملة والتجزئة بنسبة 12.7 في المئة والصناعة التحويلية بنسبة 2.4 في المئة، ويتوقع الخبير ألكسندر أبراموف أن تصبح القطاعات المتراجعة في 2022 محركات للانتعاش الاقتصادي في 2023.
وذكر: “تمكن قطاع الأعمال من إيجاد أسواق جديدة وموردين لمنتجاته، أي أن الشركات لم تتوقف عن إنتاج السلع بسبب العقوبات، بالإضافة إلى ذلك تأثر الاقتصاد بشكل إيجابي بنمو الاستثمار العام في مشاريع البنية التحتية والتشييد. علما أن روسيا حصلت على عائدات كبيرة من تصدير موارد الطاقة، إذ ظلت أسعار الخام حتى نهاية عام 2022 تقريبا عند مستويات مرتفعة”.
بدوره يرى الباحث غيورغي أوستابكوفيتش أن صناعة الدفاع، التي تعمل على تلبية احتياجات العملية الخاصة، تقدم أيضا مساهمة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي.
عمر نجيب
Omar_Najib2003@yahoo.fr