الافـتتاحية
بعد سبعة أشهر من القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية التي عقدت في الرياض يوم 11 نوفمبر 2023، تنعقد القمة العربية الثالثة والثلاثون يومه الخميس 16 ماي، بالمنامة عاصمة مملكة البحرين، بعد مضي سنة على القمة العربية الثانية والثلاثين التي عقدت بجدة في مثل هذا الشهر من السنة الماضية. وتأتي قمة المنامة وسط ظروف بالغة الخطورة تمر بها القضية الفلسطينية، تحمل تهديدات شديدة للأمن والسلم، ليس في منطقة الشرق الأوسط فقط، بل في جميع أنحاء العالم، على اعتبار أن الحرب العدوانية التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة و الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، ليست من جنس الحروب التي شهدتها الأراضي الفلسطينية، منذ سنة 1948، وإنما هي حربُ إبادةٍ جماعيةٍ غير مسبوقة، ولا يعلم متى ستنتهي، ولا على أي نحو ستكون نهايتها.
وإذا كانت التصريحات الصادرة عن جامعة الدول العربية، تفيد أن القمة العربية ستتناول القضية الفلسطينية من جوانبها كافة، فإن عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، قد أعرب في اجتماع لمجلس الوزراء، عن الأمل في أن تخرج القمة العربية بنتائج إيجابية وبقرارات بناءة ومثمرة تعزز التضامن العربي ووحدة الصف. فهل سيكون من القرارات البناءة، تفعيل البيان الصادر عن القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية المنعقدة بالرياض؟ وهل ستكون النتائج الإيجابية المتوقعة من قمة المنامة، تحقيق المصالحة الحقيقية بين السلطة الفلسطينية وحركة المقاومة الإسلامية / حماس، باعتبار المصالحة بين الأطراف الفلسطينية، ضرورةً مؤكدةً لترتيب البيت الفلسطيني، ولتوحيد القرار السيادي الذي يعبر عن الإرادة الجماعية للشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات؟.
لقد كانت قمتان عربيتان ناجحتان بكل المقاييس، هما قمة بيروت سنة 2002، التي خرجت بخطة السلام العربية، التي كان قد طرح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، خطوطها العريضة في فترة سابقة، وتبنتها القمة بجوانبها المتعددة، فكانت تحولاً حاسماً في الموقف العربي تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قام على أساس الواقعية الصارمة، التي لم يكن العمل العربي المشترك قبل تلك القمة، يعرفها ويتعمدها ويتخذ قراراته بالاستناد إليها.
وقبل قمة بيروت فترة طويلة، كانت قمة الرباط لسنة 1974، التي تبنت قراراً تاريخياً يعد منظمةَ التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطينية. وكان لجلالة الملك الحسن الثاني، رحمه الله، الدور الحاسم في اتخاذ ذلك القرار بالإجماع، على إثر الاجتماع المطول الذي جمع بين العاهلين المغربي والأردني، على هامش القمة العربية، والذي أسفر عن موافقة الملك الحسين بن طلال على تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للشعب الفلسطيني، بصفة قطعية لا نزاع فيها. وبذلك حلت العقدة التي كانت تعرقل دعم منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات وإسناد موقفه عربياً ودولياً.
فاليوم بين يدي العرب خطة السلام العربية، التي وإن كانت جميع فصائل المقاومة الفلسطينية، الإسلامية والوطنية، لا تعترف بها، فقد حان الوقت لتوحيد الصف الفلسطيني واجتماعه حول مسألتين جوهريتين، أولاهما أن السلطة الفلسطينية التي قامت على أساس منظمة التحرير الفلسطينية، هي وحدها، وبشكل مطلق، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، في قطاع غزة وفي الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وفي المخيمات الفلسطينية بلبنان والأردن وسوريا، لا أي فصيل من الفصائل التي تقف في الصف المعارض للسلطة الفلسطينية، ولمنظمة التحرير.
أما المسألة الثانية، فهي الاعتراف بخطة السلام العربية باعتبارها الحل الممكن لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولا حل واقعياً غيرها. فهل تفلح القمة العربية التي ستعقد اليوم بالمنامة، في إنهاء حالة التشرذم والتمزق التي تضيع معها حقوق الشعب الفلسطيني؟.
إن الأماني العربية بلا حدود، وسقف المطامح التي تنتظر الشعوب العربية تحقيقها، مرتفع للغاية، ولكن جامعة الدول العربية لا تملك أن تغير من العقبات التي تعترض الطريق إلى السلام، وليس لها سوى تفعيل البيان الصادر عن قمة الرياض المنعقدة في 11 نوفمبر سنة 2023، وتحريك خطة السلام التي تبنتها في قمة بيروت لسنة 2002، ودعم السلطة الفلسطينية في مساعيها على الصعيد الدولي، من أجل أن تنال العضوية الكاملة في هيئة الأمم المتحدة. وهو الأمر الذي يقتضي تعضيد الدولة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس.
وليس من الواقعية السياسية رفع سقف الطموح في ظل المخاطر الشديدة التي تحاصر القضية الفلسطينية، وتهددها بالإجهاز عليها لقطع دابرها والقضاء عليها قضاء مبرما.
فهل ترتقي قمة المنامة إلى مستوى هذه المخاطر غير المسبوقة، وتتعامل مع التحديات بالحكمة وحسن التبصر وبالواقعية؟.
ذلك هو السؤال الذي ينتظر العرب بل والعالم برمته، الإجابة عنه في القرارات التي ستتخذها القمة العربية الثالثة والثلاثون.
*العلم*