العلم الإلكترونية: إبراهيم إشوي - صحافي وباحث في التواصل
عندما كان وزير التربية الوطنية المغربي شكيب بن موسى يستعد لإطلاق برنامجه الإصلاحي الذي اختار له اسم "مدرسة الجودة"، قام باستدعاء من تم وصفهم ساعتها بـ" المؤثرون" من أجل الاستماع إلى وجهة نظرهم في مستقبل المدرسة العمومية، وهو ما آثار ساعتها استهجانا واسعا، على اعتبار أن هؤلاء "المؤثرين" الذين يعرفهم القاصي والداني، على مواقع التواصل الاجتماعي ارتبطوا بمواضيع تافهة ولا يمكن أن يكون لهم رأي سديد في مصير الأجيال القادمة.
لكن مساحة الجدل ستتسع هذه المرة عندما أقدمت وزيرة السياحة باستدعاء هؤلاء الفاعلين الجدد في المشهد الإعلامي، من أجل التسويق للبرنامج الحكومي "فرصة" الموجه إلى تشغيل الشباب عن طريق قروض الوزيرة بتخصيص مليار سنتيم، وهو ما أثار حفيظة العديد من الإعلاميين والفاعلين المدنيين.
هذه الخطوة التي كسرت قاعدة التواصل الحكومي الرسمي الذي اعتاد الاستعانة بقنوات القطب العمومي، عندما يتعلق الأمر ببرنامج حكومي، ستعقبها موجة من الانتقادات التي ذهبت إلى أنه مؤشر على موت الصحافة، وبداية القتل الرحيم للممارسة الإعلامية التي تتأسس على قواعد مهنية متعارف عليها عالميا.
"المؤثرون" المغاربة..
تحظى ظاهرة "المؤثرين" بالمغرب بمتابعة كبيرة كونها في بداية مراحل التشكل، بالرغم من مرور ما يقارب نصف عقد من الزمن، على ظهور أولى المحاولات، لكن بعد جائحة كورنا ازداد العدد كثيرًا في جل التخصصات والمواضيع المقدمة للجمهور.
تشير الأرقام إلى وجود ما يقارب 5 ألاف مؤثر أو صانع محتوى، ينشر مضامينه بشكل مستمر وشبه منتظم حسب التقارير الرسمية، الشيء الذي دفعَ جعل مديرية الضرائب، إلى بعث اشعارات للبعض منهم، قصد تسوية وضعيته الضريبية عن الثروة المتراكمة من أرباح الأنترنيت.
فيما لازال النقاش العمومي متأخرا شيئا ما حول ظاهرة "المؤثرين" رغم ظهور العديد من التجاوزات والإشكالات في هذا الحقل التي وصلت الى القضاء وشغلت الرأي العام.
كسر للقاعدة..
التجأت قناتان عموميتان مغربيتان إلى الاعتماد على خدمات صناع المحتوى، في تغطية فعاليات كأس العالم المنظم بقطر، حيث أرسلت صناع محتوى ونجوم الفكاهة و"مؤثرون" لنقل يوميات وطرائف وأحداث المونديال، بالمقابل تم خفض عدد أطقم الصحفيين المهنيين المتخصصين في الشأن الرياضي، وتم الاقتصار على فريق واحد فقط، لكل قناة عمومية، مما انعكس سَلبًا على جودة التغطية خصوصا بعد تألق المنتخب الوطني المغربي، وتأهله إلى أدوار متقدمة في هذه التظاهرة الرياضية العالمية.
وكان الضعف المهني قد ظهر بشكل جلي في ندوة المدرب البرتغالي قبل مواجهة المغرب، فيما ظهرت عيوب كثيرة أخرى وانزلاقات في أسئلة الصحفيين المغاربة للمدرب الوطني، وكذا للاعبين في ندوات عديدة إلى جانب تواضع مستوى المواد المنجزة من قطر حول الفريق الوطني واستغلال الاستحقاق قصد الترويج والتسويق لمصالح الوطن.
وتساءل الجسم الصحفي المغربي، لماذا فتحت هذه المؤسسات الإعلامية العمومية أبوابها في وجه "المؤثرون" لتغطية حدث كبير يستوجب تجربة وتكوينا في الصحافة؟ وتم فقط الاقتصار على تغطية، وصفها البعض بأنها لم تكن في مستوى الإنجازات التي حققها الفريق الكروي الذي حلق عاليا.
إن "المؤثر" يقوم بالدعاية فقط، ولا يزاول مهنة الصحافة ولا يمكنه أن يسدَ مكانَ الصحافي بمهاراته التحريرية، وقدراته الصحافية الأساس، بالإضافة إلى كل ذلك، فهو لا يخضع لضوابط الصحافة ولا لأخلاقيات المهنة.
وخلص العديد من المتتبعين لهذا التحول في الممارسة الإعلامية، إلى القول: بأن هذه المؤسسات الإعلامية العمومية، انساقت وراء هاجس الرفع من نسب المشاهدة كي تحظى ببضعة عقود من الإشهار بدل الرقي بشبكة برامجها، وتجويد المحتوى ضمن فرض تغطية مهنية ينجزها صحفيون وفقا للقواعد المهنية.
ولوحظ أيضا، أنه قبل مونديال قطر، حضور توجه شبه عام لدى هذه المؤسسات، بما فيها الأحزاب السياسية، بل حتى داخل المؤسسات الصحفية التي أصبحت تتوجه نحو قنوات التواصل الاجتماعي وبدأت تتعامل بشكل مباشرة مع المؤثرين وذلك بعد أن كانت سابقا تلجأ عبر الإعلانات الإشهارية لدعوة نجوم المسرح والسينما والغناء وليس الصحفيين.
المؤثر والصحافي!
هل سيحتل "المؤثرين" مكانة الصحافيين المهنيين؟ ظل هذا السؤال يراودني خلال حصص الدرس بالمعهد العالي للإعلام والاتصال لمدة غير يسيرة، واقتنعت بعدها أنه موضوع يستحق المعالجة والدراسة فحملت السؤال أعلاه الى الخبير في التحول الرقمي الاستاذ الحسين الساف الذي أجاب بـ"أنه مقتنع أن عملية الاستغناء عن الصحفيين المهنيين سوف تستمر بل ستتزايد إذا لم يتدارك الصحفيون أنفسهم بالإسراع في اكتساب المهارات التي أصبح المؤثرون يضبطونها بشكل مميز"، مضيفا "أنا لدي اطمئنان مشروط عن مصير الصحفيين الذين سينجحون في انتقالهم الرقمي، وهو أن حياتهم الصحفية ستزيد تألقا وتحسنا دائما شرط اكتسابهم لمهارات التعامل مع متطلبات بيئة الأنترنيت، لأنهم يملكون أساسيات مهنة الصحافة وقواعدها وأخلاقياتها، وهو ما يفتقده "المؤثرين" الذين غالبا ما تنطفئ نجوميتهم بنفس السرعة التي بدأوا بها مسيرتهم".
وأشار الأستاذ بالمعهد العالي للإعلام، إلى أن رواد قنوات التواصل الاجتماعي وصلوا مرحلة التخمة، وبدأوا عمليا في البحث عن بدائل، وذلك بسبب انتشار الأخبار الزائفة بشكل رهيب وسيادة الأخبار التافهة، بشكل أعاد للواجهة الحاجة للأخبار الجادة، وذات فائدة للمواطنين الذين أصبحوا فاعلين من الدرجة الأولى على الشبكة قولا وفعلا.
وشدد المتحدث ذاته، على أنه سبب هذا التحول عائد إلى ما يميز تموقع "المؤثرون" في شبكة الأنترنيت، إذ إنهم ركزوا على التعلم الذاتي لتقنيات الممارسة بعيدا عن الاهتمام بتعلم القواعد النظرية للنشر وأجناسه الشكلية، وقوالبه التعبيرية، حيث ظلوا في منأى عن الاهتمام بقضايا أخلاقيات النشر، وأصبحوا بسبب تفرغهم وتركيزهم فقط على الجانب التطبيقي لعملية النشر، يمتلكون مهارات فائقة في التعامل الأنجع، مع محركات البحث وخوارزميات قنوات التواصل الاجتماعي، وذلك للتمكن من كل قواعد وتقنيات شبكة الأنترنيت.
ويؤكد الساف، استطاع بعض المؤثرين أن يدركوا قبل الصحفيين، أن نظرية التواصل في شكلها القديم المبنية على قاعدة التأثير الثلاثية الكلاسيكية، نظرية شانون في التواصل (channon theory) القائمة على مرسل ومتلقي وقناة وتغذية عكسية، لم تعد صالحة ، حيث أصبح المتلقي "سلعة" مذرة للثروة.
وهذا ما دفع إلى المسارعة في تبني أساليب "التعليب الكرافيكي"، للأخبار والتفنن في صياغة الرسائل والوسائط المتبادلة على الشبكة "شكلا" و "مضمونا".
· شكلا: أضحى المؤثر يتقمص مظهرا " ينفرد به" يمكنه من علامة تجارية خاصة وشبه مسجلة؛
· مضمونا: ينتج منتجات متنوعة من أجناس غير مسبوقة سرعان ما تحقق مشاهدات خيالية في فترة وجيزة، من خلال التسويق الرقمي أو ربما في أحيان كثيرة قد لا تحتاج لذلك.
الصحافي المؤثر..
صدر أخيرًا في بريطانيا دراسة مهمة تتمحور حول الأسئلة التالية: هل يمكن للصحفيين أن يكونوا مؤثرين؟ كيف يمكن إشراك الجمهور أو المتتبعين الذين يصعب الوصول إليهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟.
وخلصت الدراسة إلى العديد من النقاط نستقي اثنين منها:
· الصحفيونَ مختلفون تماما عن "المؤثرون" كما أشارت إلى ذلك الباحثة "سالا روزا ليونين" في أن هناك فرق بين الأخبار والمحتوى وكل منهما يختلف صانعه عن الآخر؛
· هناك ماسة الى المصداقية كمعيار لخلق الثقة بين الجمهور والصحفيين والمؤثرين من جهة ثانية.
وحددت الدراسة أوجه الاختلاف والتشابه بين الصحفيين وصناع المحتوى" المؤثرين" من منظور الجمهور، حيث كان من الواضح أن القيم التقليدية المعيارية لا تزال سائدة في تعريف الصحافة الحقيقية،
لذلك لم يُنظر إلى مزيج من الوسائط المختلفة التي أنتجها "المؤثرين" على أنها صحافة مقارنة مع ما ينتجه الصحفيون المهنيون، وكان يُنظر إليه على أنه محتوى نموذجي مؤثر لا علاقة له بالصحافة، ومع ذلك ، فإن الكثير من التوقعات تجاه الصحفيين والمبدعين كانت متشابهة من ناحية المصداقية والشفافية والمشاركة الحقيقية والوعد بجودة المحتوى الذي يسير بخطى جيدة ومتناسقة.
أزمة ثقة..
وفي إحدى الدراسات الحديثة، حوالي 49.7 في المائة من المغاربة المستخدمين لشبكات ومواقع التواصل الاجتماعي لا يثقون فيما ينشره المؤثرون في صفحاتهم.
وصرح حوالي 42.1 في المائة من المستجوبين، بأنهم يثقون في ما يقدمه المؤثرون، من خلال نتائج هذه الدراسة، يبدو أن متتبعي ظاهرة "المؤثرون" أصبح عددهم يضاهي عدد الذين يتابعون صفحات القنوات التلفزيونية الرسمية أو صفحات الإعلاميين المشهورين.
وبالمقابل كل هذا، هناك وعي غير مباشر لدى الجمهور أن ما يقدمه المؤثر يفتقد لآليات التحقق من الخبر ومن المصادر الجادة التي تضفي طابع الجدية والمصداقية على المعلومة.
وتفيد المعطيات الواردة في المؤشر السنوي الذي ينجزه "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، أن نسبة الثقة بالمعلومات والأخبار التي تُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي في هذا الاستطلاع هي أقل من تلك التي سُجلت في استطلاع 2019/ 2020.
ورغم كل هذه المعطيات فـ"المؤثرين"، لهم قاعدة كبيرة يؤطرونها وفق محتواهم هذا مما يجعلهم طرفا رئيسيا يتحكم في صناعة الرأي العام، وتوجيهه فهل هذا ما ساهم في جعلهم يحظون بفرص ودعوات رسمية من لدن المؤسسات الحكومية؟