*بقلم: عبدالله البقالي*
جذبت القمة الثلاثية التي انعقدت قبل أيام بالإمارات العربية المتحدة، وجمعت كلا من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وصاحب الجلالة محمد السادس ملك المغرب، وفخامة الرئيس محمد الغزواني رئيس دولة موريتانيا .
ويبدو أنه تم التخطيط لهذه القمة في أجواء من السرية المطلقة، إلى درجة وصفتها العديد من الأوساط الإعلامية والديبلوماسية ب"المفاجئة ،"خصوصا وأنها التأمت في سياق أحداث يمكن وصفها بأنها كانت مغايرة لمثل هذا التطور، حيث تميزت بمظاهر توطيد وتثبيت العلاقات بين الجزائر ونواكشوط في سياق بناء حلف إقليمي معادي للمغرب، والهادف إلى عزله وتضييق الخناق عليه في محيطه الإقليمي .وتجسد هذا المنحى في تكثيف الزيارات الرسمية بين الجزائر ونواكشوط، حيث زار نواكشوط في المدة الأخيرة، رئيس أركان الجيش الجزائري شنقريحة قبل أن يزورها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نفسه .
لكن بعد أيام قليلة من هذا السيل الزاحف من التطورات التي أقنعت الحاكمين في الجزائر بالاطمئنان وتأكيد ثقتهم في ما بدا لهم تطويعا للرئيس الموريتاني وبالثقة المطلقة في ما تسير عليه الأمور، كانت المفاجأة الأولى بإعلان زيارة خاصة للرئيس الموريتاني محمد الغزواني للاطمئنان على الأوضاع الصحية لزوجته، التي كانت تخضع للعلاج في المغرب .
لكن ما كان لافتا في هذه الزيارة هو الاستقبال الرسمي الذي خصصه جلالة الملك محمد السادس لضيف المغرب الكبير وإجراء مباحثات رسمية انتهت بإصدار بلاغ رسمي، تم التطرق فيه إلى تكثيف التعاون الثنائي، وإلى مشروع أنبوب الغاز المغرب نيجيريا .
ومباشرة بعد عودة الرئيس الموريتاني إلى بلاده أقدم على إعفاء جميع القادة العسكريين الكبار في الجيش الموريتاني وتسمية قادة جدد .ولم تخف أوساط إعلامية وديبلوماسية القول إن قرار الإعفاءات الكثيرة والكبيرة في جهاز الجيش الموريتاني كانت له علاقة بحركة ما كان يتم التحضير لها من طرف قادة الجيش الموريتاني بالتنسيق مع المخابرات الجزائرية .وأن الرئيس الموريتاني عاد بما يكفي من المعلومات الاستخبارية في هذا الصدد من المغرب .
الحقيقة، لم تتسرب معطيات وتفاصيل عن القمة الثلاثية التي انعقدت في الإمارات العربية المتحدة، لكن مصادر إعلامية ورصدية أوردت بعض المعطيات التي حددت على الأقل طبيعة هذه القمة .وفي هذا الصدد ذكرت مجلة La revue Afrique أن القمة بحثت تنفيذ مشروع اقتصادي وصفته ب"الكبير" الذي يخص جميع دول غرب أفريقيا، وأكدت أن المشروع يهدف إلى تطوير الواجهة الأطلسية المغربية الموريتانية، حيث ستنجز استثمارات ضخمة في كل من السواحل الأطلسية في المغرب وموريتانيا وتمتد فوائده لتشمل جميع دول الساحل الأفريقي خصوصا السينغال والنيجر وبوركينا فاسو .
من جهته كشف معهد" آفاق الجيوبوليتيك "كما نقلت ذلك يومية الأحداث المغربية، أن "كلا من المغرب وموريتانيا والإمارات العربية المتحدة يعملون معا لتحقيق مشروع استراتيجي كبير على طول الساحل الأطلسي للمغرب وموريتانيا" وأكدت أن الإعلان الرسمي عن هذا المشروع الضخم سيتم قريبا.
إلى ذلك كشفت مصادر إعلامية أخرى أن صندوق" وصال "الذي أحدث سنة 2021 في إطار شراكة بين المغرب والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والمملكة العربية السعودية سيتكلف بتمويل هذا المشروع الضخم .وأن دولة الإمارات العربية المتحدة ستتكلف بالجزء الأكبر في هذا التمويل .
وموازاة مع ذلك، وبما يعزز هذا التوجه التكاملي الذي بني تدريجيا بين دول المنطقة، فقد أعلنت الحكومتان الموريتانية والسنغالية قبل أيام قليلة من اليوم عن الافتتاح الرسمي لأول بئر ضمن ما أصبح يعرف ب ( مشروع السلحفاة الكبرى آحميم) الذي تملكه شركتا "بي بي البريطانية" و"كريموف إنيرجي الأمريكية" .وأكد بيان رسمي مشترك صدر في هذا الصدد أن" مشروع الغاز سيوفر طاقة إنتاجية تناهز 2,5 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا .
وقلنا إن هذا الحدث يكتسي أهمية بالغة واستثنائية لأنه يتأسس على الاستغلال المشترك لبئر غاز بين نواكشوط ودكار بما يؤشر على نجاح حكومة هذين البلدين في تجاوز كثير من الصعاب والتحديات التي كانت تواجه بلديهما في السابق .
وفي تطور آخر مفاجئ أيضا سارعت وزارة الخارجية الجزائرية إلى إعفاء سفيرها في نواكشوط السيد محمد عتو، وتضاربت المعطيات في شأن هذا الإعفاء بين من قال إن الأمر لا يتعلق بإعفاء بل بطلب رسمي تقدمت به وزارة الخارجية الموريتانية يقضي بمغادرة هذا المسؤول الديبلوماسي الجزائري التراب الموريتاني في أقرب وقت، بسبب تدخله في الشؤون الداخلية الموريتانية ،حيث قيل في هذا الصدد إن السفير الجزائري اتصل بوزير الإعلام في الحكومة الموريتانية وأبلغه احتجاجه على مقال نشرته إحدى المواقع الإخبارية، وخاطبه بلغة الأمر طالبا منه غلق هذا الموقع واعتقال المسؤول عنه، ورد الوزير الموريتاني بأن الحكومة الموريتانية لا يمكن أن تقدم على مثل هذه القرارات، واقترح عليه الالتجاء إلى القضاء، إلا أن السفير الجزائري لم يرقه جواب الوزير، وخاطب الوزير بطريقة اعتبرتها الحكومة الموريتانية غير لائقة، ومع كل ذلك فإن هذه الأوساط لا تستبعد أن تكون هذه الرواية محاولة للتستر على الأسباب الحقيقية لمغادرة السفير الجزائري العاصمة دكار، وهي أسباب لها علاقة بين قرار طلب مغادرة السفير الجزائري للتراب الموريتاني وقرار إعفاء قادة في الجيش الموريتاني الذين كانوا يحضرون لعمل ما .
وبين من قال ان الأمر يتعلق بقرار إعفاء عاجل صادر عن وزارة الخارجية الجزائرية بأوامر صارمة من قادة الجيش الجزائري، بسبب فشل السفير الجزائري في نواكشوط في رصد التطورات بصفة استباقية وتقديمه لمعطيات خاطئة ورطت القادة العسكريين الجزائريين والرئاسة الجزائرية في علاقتهم مع نواكشوط، حيث قاموا بزيارات رسمية مثلت بالنسبة إليهم تورطا حقيقيا في مسار أحداث معاكسة ومناهضة لأطماع الجزائر.
وتضاربت المعطيات في شأن السفير الجزائري المقال، لكن المؤكد، وكما نشرت ذلك بعض وسائل الإعلام، أنه تعرض إثر وصوله إلى مطار هواري بومدين بالعاصمة الجزائرية إلى جلسات استنطاق مطولة تحت إشراف المخابرات العسكرية الجزائرية طالت لأيام ،وهناك من ذكر أن السفير المقال تعرض للاعتقال وهو لا يزال رهنه في إطار تحقيقات مطولة معه .
مجمل هذه التطورات الكثيرة والمتسارعة تؤكد وجود متغيرات كثيرة تؤثث مشهد الأوضاع في منطقة شمال غرب أفريقيا وفي منطقة الساحل الغربي لأفريقيا، وتؤشر على انطلاقة فعلية لمبادرة الأطلسي التي أعلن عنها المغرب قبل شهور من اليوم، بعد التحاق موريتانيا بالركب وبعد دخول دولة الإمارات العربية على خط هذا المشروع الاستراتيجي الضخم، في حين تمثل هذه التطورات انتكاسة كبرى للنظام الجزائري الذي بذل جهودا كبيرة بهدف عزل المغرب والتضييق عليه، ليجد نفسه في نهاية المطاف معزولا بعدما أشعل فتيل الخلافات مع حكومات جميع دول الجوار باستثناء واحدة .