العلم - بقلم عبد الله البقالي
قد يكون أحسن هروب من الحاضر هو الاحتماء في التطلع إلى المستقبل، بعدما وصل العجز إلى مداه في معالجة الأسباب التي مكنت ظروف وشروط الحاضر من أن تكون سائدة، وفي التصدي إلى الجهات والأطراف المسؤولة عما يواجهه الحاضر من تحديات وصعوبات. وهكذا حينما تدرك المؤسسات والمنظمات الدولية، بما تمثله من شرعية دولية وعدالة كونية، أنها لم تعد قادرة على مواجهة ما يعيشه الحاضر، وأن يدها قصيرة في إعمال الشرعية الدولية لوضع حد بشكل حاسم ونهائي لجميع الممارسات التي تمثل انتهاكات جسيمة وخطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة، باعتراف مسؤوليها، وأنها أضحت مجرد هيكل بدون روح، لأن هناك أطرافا تتعمد احتقارها باقتراف ما تقترفه من ممارسات، رغم المطالبات والمناشدات، بل واتخاذ قرارات قانونية وقضائية والتلويح بتدابير زاجرة. فإن وسيلة التهرب الوحيدة من تفعيل مبدأ تحمل المسؤولية، وترتيب النتائج عن إقرار حالة العجز والفشل، هي الاحتماء في التطلع إلى المستقبل الذي يتم تحميله مسؤولية ما يحدث ويجري ويفتعل في الحاضر، من خلال تكليفه بمهمة إنجاز التغيير وإصلاح أعطاب الحاضر ومعالجة الأسباب التي أفرزت ما يعيشه الحاضر وتطهيره من الاختلالات.
ويتجلى منسوب العجز وتهريب مسؤولية الحاضر إلى المستقبل في طبيعة المهام المنوطة بالمستقبل وحجم التطلعات المعبر عنها والآمال المعقودة عليه. وهكذا قد تتحمل مجرد أوراق بيضاء خطت عليها عبارات إنشائية مسؤولية (تغيير مسار البشرية) و(تعزيز النظام متعدد الأطراف لمواكبة عالم متغير، وحماية حاجات ومصالح الأجيال الحالية والمستقبلية المهددة بأزمات متواصلة). وقد تتزين صفحات هذه الأوراق بـ56 إجراء في قضايا تهم التعددية واحترام ميثاق الأمم المتحدة والحفاظ على السلام العالمي وإصلاح المؤسسات المالية الدولية ومجلس الأمن الدولي ومكافحة تغير المناخ ونزع السلاح وتطوير الذكاء الاصطناعي. بما يكشف بوضوح كامل، أن تهريب تحديات الحاضر إلى المستقبل انتهزت فرصة لتفريغ ركام هائل جدا من الإحباطات المترتبة عن الواقع المعيش في الحاضر وإلقائها على كاهل المستقبل.
طبعا لهذا التهريب الاضطراري رعاته ومناصروه الذين يجتهدون ويكدون في توفير الظروف المناسبة له، ومحاولة فرض أجواء اقتناع وارتياح لهذا الإنجاز الذي يمكن الأمل من الاستمرار في الوجود، ويبرر ما يواجهه الحاضر من تحديات كبيرة وخطيرة، وبالتالي التعتيم على كل ذلك بترحيل الآمال والتطلعات إلى المستقبل. وهكذا من الطبيعي أن ترتفع أصوات موازاة مع ما حدث، ترى أنه رغم الانتقادات فإن ما تم تحقيقه يشكل فرصة لتأكيد الالتزام الجماعي بالتعددية رغم الإطار الجيوسياسي الحالي الصعب.
طبعا، يجري الحديث عن المستقبل دون تحديد إطاره الزمني، بين البعيد والمتوسط والقريب، وتغييب الموعد الدقيق الذي ينتهي فيه الحاضر ويبدأ فيه المستقبل، وأن ذلك يكشف عن حالة اضطرارية تم اللجوء إليها للتغطية عن الفشل في مواجهة الحقيقة السائدة في الحاضر، وقد يكون السبب أخطر بأن يتعلق الأمر بمحاولة إلهاء الرأي العام العالمي عما يعيشه الحاضر من اختلالات فظيعة جدا في بنيته، ومن انعدام التكافؤ بين الفاعلين فيه، ومن سيادة مظاهر الظلم وجو القلق التي أفضت إلى وضعية اللايقين التي تكاد تكون غير مسبوقة في تاريخ البشرية جمعاء.
ومن عمق هذه الانشغالات تتناسل أسئلة عميقة ومحرجة من قبيل، كيف يمكن الحديث عن القدرة على تحقيق التغيير في المستقبل بنفس العوامل التي أنتجت مضامين الحاضر، ولا تزال تتسم بنفس المواصفات التي أفرزت ما يقع الرهان حاليا على تغييره في المستقبل. بل كثير من الملفات الثقيلة والقضايا الساخنة والصراعات الملتهبة، التي عمرت طويلا في حاضر تمتد جذوره في أعماق الماضي جايلت عصورا وأزمنة، وانتقلت بين أكثر من ماض وحاضر ومستقبل وزادت حدتها وتفاقمت تداعياتها بما قلص من مساحات الآمال في التغيير بشكل كبير ومذهل، مما تسبب في سيادة الشعور العام باليأس والإحباط وفقدان الثقة في المؤسسات وفي القوانين وفي الخطابات.
فكيف لحاضر فشل في وقف حرب إبادة ضد مدنيين تقترفها قوات احتلال، وانتفض العالم بأسره، بمنظماته الأممية والقضائية والحقوقية ضد ما يحدث، أن ينجح حينما يتحول إلى مستقبل في فرض السلام والعدل و...؟ وكيف لحاضر لم يدخر جهدا من الناحية الشكلية، في مواجهة ظاهرة التغير المناخي، التي تشكل تهديدا حقيقيا لمصير حياة جميع الكائنات فوق الأرض، وعقد في سبيل ذلك قمما دولية ووقعت خلاله اتفاقيات عالمية وتعهدت فيه الدول العظمى بتنفيذ التزامات مالية، وصرفت في سبيل ذلك أموالا طائلة، أن يتفوق في ذلك حينما يصير مستقبلا بنفس الشروط والأسباب التي مكنت أزمة التغير المناخي من أن تزيد استفحالاً وخطورة؟ وكيف لحاضر اختلت خلاله موازين العدالة الاجتماعية الدولية، بأن استحوذت فئة ميسورة قليلة على مصادر الثراء العالمي على حساب ملايير الأشخاص، وبأن أطلق العنان للمجاعة التي تزداد تفاقما لتطال أعدادا غفيرة من سكان هذا الحاضر، أن يفلح في تصحيح هذه الاختلالات حينما يصير مستقبلا بنفس الآليات والمواصفات التي أنتجت اختلالات البنية الاجتماعية حاليا؟
قد تكون مجرد هنيهة لغو آخر تمثل لحظة وهم جديدة تتيح من جهة، لمظاهر الحاضر الاستمرار في الوجود والسيادة بكل ثقة واطمئنان، ومن جهة ثانية تفرض حالة إلهاء لتتمكن ظروف وشروط الحاضر من الامتداد في المستقبل.
قد يكون أحسن هروب من الحاضر هو الاحتماء في التطلع إلى المستقبل، بعدما وصل العجز إلى مداه في معالجة الأسباب التي مكنت ظروف وشروط الحاضر من أن تكون سائدة، وفي التصدي إلى الجهات والأطراف المسؤولة عما يواجهه الحاضر من تحديات وصعوبات. وهكذا حينما تدرك المؤسسات والمنظمات الدولية، بما تمثله من شرعية دولية وعدالة كونية، أنها لم تعد قادرة على مواجهة ما يعيشه الحاضر، وأن يدها قصيرة في إعمال الشرعية الدولية لوضع حد بشكل حاسم ونهائي لجميع الممارسات التي تمثل انتهاكات جسيمة وخطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة، باعتراف مسؤوليها، وأنها أضحت مجرد هيكل بدون روح، لأن هناك أطرافا تتعمد احتقارها باقتراف ما تقترفه من ممارسات، رغم المطالبات والمناشدات، بل واتخاذ قرارات قانونية وقضائية والتلويح بتدابير زاجرة. فإن وسيلة التهرب الوحيدة من تفعيل مبدأ تحمل المسؤولية، وترتيب النتائج عن إقرار حالة العجز والفشل، هي الاحتماء في التطلع إلى المستقبل الذي يتم تحميله مسؤولية ما يحدث ويجري ويفتعل في الحاضر، من خلال تكليفه بمهمة إنجاز التغيير وإصلاح أعطاب الحاضر ومعالجة الأسباب التي أفرزت ما يعيشه الحاضر وتطهيره من الاختلالات.
ويتجلى منسوب العجز وتهريب مسؤولية الحاضر إلى المستقبل في طبيعة المهام المنوطة بالمستقبل وحجم التطلعات المعبر عنها والآمال المعقودة عليه. وهكذا قد تتحمل مجرد أوراق بيضاء خطت عليها عبارات إنشائية مسؤولية (تغيير مسار البشرية) و(تعزيز النظام متعدد الأطراف لمواكبة عالم متغير، وحماية حاجات ومصالح الأجيال الحالية والمستقبلية المهددة بأزمات متواصلة). وقد تتزين صفحات هذه الأوراق بـ56 إجراء في قضايا تهم التعددية واحترام ميثاق الأمم المتحدة والحفاظ على السلام العالمي وإصلاح المؤسسات المالية الدولية ومجلس الأمن الدولي ومكافحة تغير المناخ ونزع السلاح وتطوير الذكاء الاصطناعي. بما يكشف بوضوح كامل، أن تهريب تحديات الحاضر إلى المستقبل انتهزت فرصة لتفريغ ركام هائل جدا من الإحباطات المترتبة عن الواقع المعيش في الحاضر وإلقائها على كاهل المستقبل.
طبعا لهذا التهريب الاضطراري رعاته ومناصروه الذين يجتهدون ويكدون في توفير الظروف المناسبة له، ومحاولة فرض أجواء اقتناع وارتياح لهذا الإنجاز الذي يمكن الأمل من الاستمرار في الوجود، ويبرر ما يواجهه الحاضر من تحديات كبيرة وخطيرة، وبالتالي التعتيم على كل ذلك بترحيل الآمال والتطلعات إلى المستقبل. وهكذا من الطبيعي أن ترتفع أصوات موازاة مع ما حدث، ترى أنه رغم الانتقادات فإن ما تم تحقيقه يشكل فرصة لتأكيد الالتزام الجماعي بالتعددية رغم الإطار الجيوسياسي الحالي الصعب.
طبعا، يجري الحديث عن المستقبل دون تحديد إطاره الزمني، بين البعيد والمتوسط والقريب، وتغييب الموعد الدقيق الذي ينتهي فيه الحاضر ويبدأ فيه المستقبل، وأن ذلك يكشف عن حالة اضطرارية تم اللجوء إليها للتغطية عن الفشل في مواجهة الحقيقة السائدة في الحاضر، وقد يكون السبب أخطر بأن يتعلق الأمر بمحاولة إلهاء الرأي العام العالمي عما يعيشه الحاضر من اختلالات فظيعة جدا في بنيته، ومن انعدام التكافؤ بين الفاعلين فيه، ومن سيادة مظاهر الظلم وجو القلق التي أفضت إلى وضعية اللايقين التي تكاد تكون غير مسبوقة في تاريخ البشرية جمعاء.
ومن عمق هذه الانشغالات تتناسل أسئلة عميقة ومحرجة من قبيل، كيف يمكن الحديث عن القدرة على تحقيق التغيير في المستقبل بنفس العوامل التي أنتجت مضامين الحاضر، ولا تزال تتسم بنفس المواصفات التي أفرزت ما يقع الرهان حاليا على تغييره في المستقبل. بل كثير من الملفات الثقيلة والقضايا الساخنة والصراعات الملتهبة، التي عمرت طويلا في حاضر تمتد جذوره في أعماق الماضي جايلت عصورا وأزمنة، وانتقلت بين أكثر من ماض وحاضر ومستقبل وزادت حدتها وتفاقمت تداعياتها بما قلص من مساحات الآمال في التغيير بشكل كبير ومذهل، مما تسبب في سيادة الشعور العام باليأس والإحباط وفقدان الثقة في المؤسسات وفي القوانين وفي الخطابات.
فكيف لحاضر فشل في وقف حرب إبادة ضد مدنيين تقترفها قوات احتلال، وانتفض العالم بأسره، بمنظماته الأممية والقضائية والحقوقية ضد ما يحدث، أن ينجح حينما يتحول إلى مستقبل في فرض السلام والعدل و...؟ وكيف لحاضر لم يدخر جهدا من الناحية الشكلية، في مواجهة ظاهرة التغير المناخي، التي تشكل تهديدا حقيقيا لمصير حياة جميع الكائنات فوق الأرض، وعقد في سبيل ذلك قمما دولية ووقعت خلاله اتفاقيات عالمية وتعهدت فيه الدول العظمى بتنفيذ التزامات مالية، وصرفت في سبيل ذلك أموالا طائلة، أن يتفوق في ذلك حينما يصير مستقبلا بنفس الشروط والأسباب التي مكنت أزمة التغير المناخي من أن تزيد استفحالاً وخطورة؟ وكيف لحاضر اختلت خلاله موازين العدالة الاجتماعية الدولية، بأن استحوذت فئة ميسورة قليلة على مصادر الثراء العالمي على حساب ملايير الأشخاص، وبأن أطلق العنان للمجاعة التي تزداد تفاقما لتطال أعدادا غفيرة من سكان هذا الحاضر، أن يفلح في تصحيح هذه الاختلالات حينما يصير مستقبلا بنفس الآليات والمواصفات التي أنتجت اختلالات البنية الاجتماعية حاليا؟
قد تكون مجرد هنيهة لغو آخر تمثل لحظة وهم جديدة تتيح من جهة، لمظاهر الحاضر الاستمرار في الوجود والسيادة بكل ثقة واطمئنان، ومن جهة ثانية تفرض حالة إلهاء لتتمكن ظروف وشروط الحاضر من الامتداد في المستقبل.